للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَيْسَ الْمُحَلِّلُ وَالْمُتَمَتِّعُ بِزَوْجٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي اللُّغَةِ الْجَمْعُ وَالضَّمُّ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ، فَإِنْ كَانَ اجْتِمَاعًا بِالْأَبْدَانِ فَهُوَ الْإِيلَاجُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ غَايَةٌ فِي اجْتِمَاعِ الْبَدَنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ اجْتِمَاعًا بِالْعُقُودِ فَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ وَاللُّزُومِ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ اسْتَنْكَحَهُ الْمَذْيُ إذَا لَازَمَهُ وَدَاوَمَهُ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ الْمُتْعَةِ وَكَانَ يُبِيحُهَا أَنِكَاحٌ هِيَ أَمْ سِفَاحٌ فَقَالَ لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ وَلَا سِفَاحٍ وَلَكِنَّهَا مُتْعَةٌ، فَأَخْبَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنِكَاحٍ لِمَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهَا الدَّوَامَ وَاللُّزُومَ.

وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ يَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ النِّكَاحِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعَقْدِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْمِيرَاثِ وَإِنَّمَا كَانَ يَثْبُتُ فِيهَا أَحْكَامُ الْوَطْءِ وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ نَسَخَ الْمُتْعَةَ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَمْتِعُ الَّذِي لَهُ قَصْدٌ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا إلَى أَجَلٍ لَيْسَ بِنَاكِحٍ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ دَوَامَ الِاسْتِمْتَاعِ وَلُزُومَهُ، فَالْمُحَلِّلُ الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ نَاكِحًا وَقَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا نَكَحْت أَوْ تَزَوَّجْت وَهُوَ يَقْصِدُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ سَاعَةٍ أَوْ سَاعَتَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا غَرَضٌ أَنْ تَدُومَ مَعَهُ وَلَا تَبْقَى، كَذِبٌ مِنْهُ وَخِدَاعٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْوَلِيِّ لَهُ زَوَّجْتُك أَوْ أَنْكَحْتُك وَقَدْ شَارَطَهُ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا إذَا وَطِئَهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ سُئِلَ عَنْ تَحْلِيلِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا فَقَالَ، ذَلِكَ السِّفَاحُ لَوْ أَدْرَكَكُمْ عُمَرُ لَنَكَّلَ بِكُمْ، وَقَالَ لَا يَزَالَانِ زَانِيَيْنِ وَإِنْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً، إذَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمَا أَرَادَا أَنْ يُحِلَّهَا لَهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لَوْ أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْتهمَا، وَبَيَّنَ هَذَا أَنَّ الزَّوْجَ الْمُطَلِّقَ فِي الْخِطَابِ إنَّمَا يُعْقَلُ مِنْهُ الرَّجُلُ الَّذِي يَقْصِدُ مَقَامَهُ وَدَوَامَهُ مَعَ الْمَرْأَةِ، بِحَيْثُ نَرْضَى مُصَاهَرَتَهُ وَتُعْتَبَرُ كَفَاءَتُهُ وَتُطِيقُ الْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا أَنْ يَمْلِكَهَا، وَهَذَا الْمُحَلِّلُ الَّذِي جِيءَ بِهِ لِلتَّحْلِيلِ لَيْسَ بِزَوْجٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَيْسٌ اُسْتُعِيرَ لِضِرَابِهِ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَلِمَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَوَلِيِّهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَهُ زَوْجًا فَإِذَا أَظْهَرُوا فِي الْعَقْدِ قَوْلَهُمْ زَوَّجْنَاك وَأَنْكَحْنَاك وَهُمْ غَيْرُ رَاضِينَ بِكَوْنِهِ زَوْجًا. كَانَ هَذَا خِدَاعًا وَاسْتِهْزَاءً بِآيَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

يُؤَيِّدُ هَذَا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَالنِّكَاحُ الْمَفْهُومُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْخِطَابِ إنَّمَا هُوَ نِكَاحُ الرَّغْبَةِ، لَا يَعْقِلُونَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>