بَعْدَ الْعَقْدِ، وَأُبِيحَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لِلِانْتِفَاعِ بِمَقَاصِدِ النِّكَاحِ وَالنَّفْعِ بِهَا فَإِذَا عَقَدَ لِغَيْرِ شَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا عَبَثًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَصَدَ بِهَذَا تَحْلِيلَهَا لِمَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، فَإِنَّ التَّحْلِيلَ فَرْعٌ لِزَوَالِ النِّكَاحِ، وَزَوَالَ النِّكَاحِ فَرْعٌ لِحُصُولِ النِّكَاحِ، وَالنِّكَاحَ فَرْعٌ لِإِرَادَةِ مَقَاصِدِهِ، فَإِذَا جَعَلَ مَقْصُودَهُ التَّحْلِيلَ الَّذِي هُوَ فَرْعُ فَرْعِهِ صَارَ فَرْعُ فَرْعِ الْفَرْعِيِّ أَصْلًا، وَصَارَ هَذَا كَرَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَتَّى تُذْبَحَ هَذِهِ الشَّاةُ، أَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ حَتَّى تُذْبَحَ هَذِهِ الشَّاةُ، فَقَامَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَذَبَحَهَا لِغَيْرِ الْأَكْلِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا التَّذْكِيَةَ الْمُبِيحَةَ لِلَّحْمِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مُجَرَّدَ حَلِّ الْيَمِينِ، فَإِنَّ هَذَا الذَّبْحَ لَا يُبِيحُ اللَّحْمَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ إنَّمَا أَبَاحَهُ الشَّارِعُ لِمَقْصُودِ حِلِّ اللَّحْمِ، ثُمَّ قَدْ يَحْصُلُ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ حِلُّ يَمِينٍ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ لَمْ يَثْبُتْ الْحِلُّ بِحَالٍ وَإِنْ قُصِدَ شَيْءٌ آخَرُ كَذَلِكَ هَذَا النِّكَاحُ لَهُ مَقْصُودٌ فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ كَانَ الْفَرْجُ حَرَامًا وَإِنْ قُصِدَ بِاسْتِحْلَالِ الْفَرْجِ شَيْءٌ آخَرُ، وَقَدْ سَوَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الْفُرُوجِ وَالذَّبَائِحِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: ٥] .
وَكَذَلِكَ سَوَّتْ السُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ الْقَدِيمُ بَيْنَهُمَا فِي تَحْرِيمِهِمَا مِنْ الْمَجُوسِ وَنَحْوِهِمْ، وَفِي الِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا إذَا اشْتَبَهَ مُبَاحُ أَحَدِهِمَا بِمَحْظُورِهِ أَوْ اشْتَبَهَ السَّبَبُ الْمُبِيحُ بِغَيْرِهِ، أَوْ اخْتَلَطَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَغَيْرِهِ، بَلْ مَسْأَلَةُ التَّحْلِيلِ أَقْبَحُ مِنْ هَذَا فَإِنَّ الذَّبَائِحَ هُنَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْصِدَ الذَّبْحَ الْمَشْرُوعَ، وَيَحْصُلُ فِي ضِمْنِهِ حَلُّ الْيَمِينِ، وَحَيْثُ لَمْ تُقْصَدْ التَّذْكِيَةُ الْمُبِيحَةُ فَلَمْ يَقْصِدْ بِالذَّبْحِ أَنْ يُزِيلَ التَّذْكِيَةَ بَعْدَ هَذَا، وَالْمُحَلِّلُ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ، بَلْ قَصَدَ رَفْعَ النِّكَاحِ وَإِزَالَتَهُ.
يُقَرِّرُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَطْلَقَ النِّكَاحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفَسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُبَيِّنُ مُرَادَهُ بِأَنَّ النِّكَاحَ التَّامَّ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ مَقْصُودُ النِّكَاحِ، وَهُوَ الْجِمَاعُ الْمُتَضَمِّنُ ذَوْقَ الْعُسَيْلَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِمُجَرَّدِ مَا يُسَمَّى نِكَاحًا مَعَ التَّقْيِيدِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا هُوَ النِّكَاحُ الْمَعْرُوفُ، الَّذِي يُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ نِكَاحُ الرَّغْبَةِ الْمُتَضَمِّنِ ذَوْقَ الْعُسَيْلَةِ، وَهَذَا بَيِّنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنِكَاحٍ ثَبَتَ أَنَّهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ حَرَامٌ إلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، وَثَبَتَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلْمُطَلِّقِ إذْ اللَّهُ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute