الْأَوَّلِ، لِاعْتِرَافِهَا بِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ، هَذَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَهَا إقْرَارٌ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا وَحْدَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي سُقُوطِ حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَلَزِمَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَأَيُّهُمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُ الزَّوْجِ الْمُحَلِّلُ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ نِيَّتِهِ فَعَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ فِي الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ، وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا رَجُلٌ ثُمَّ يَعْتَرِفَ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ نِيَّةِ التَّحْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ فَسَادٌ انْفَرَدَ بِعَمَلِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَى أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينَ فِي غَرَائِبِ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُوسَى بْنِ مُطَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَلَا نَرَاهُ إلَّا يُرِيدُ أَنْ يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَشْهَدَ عَلَى النِّكَاحِ. قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: وَمَهَرَ. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: وَدَخَلَ. يَعْنِي الْجِمَاعَ. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: ذَهَبَ الْخِدَاعُ.» فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ حَالَ الرَّجُلِ وَلَمْ يَقُلْ إنْ نَوَيْت كَذَا فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا مَا نَرَاهُ يُرِيدُ إلَّا ذَلِكَ، وَالْبَحْثُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ وَاجِبٌ احْتِيَاطًا لِلْبُضْعِ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا لَمْ يَبْحَثْ عُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ مُطْلَقٌ وَأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ، قَالَ بَعْضُ الْمُنَازِعِينَ وَهَذَا مَقْطُوعٌ فِي الِاسْتِدْلَالِ. قُلْت: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُوسَى بْنِ مُطَيْنٍ مَتْرُوكٌ سَاقِطٌ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنْ الْمَشَاهِيرِ لَا يَحِلُّ الِاسْتِدْلَال بِشَيْءٍ مِنْ رِوَايَتِهِ، قَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ كَذَّابٌ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ تَرَكَ النَّاسُ حَدِيثَهُ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُجَازِفِينَ فِيمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ مِنْ مُصَنِّفِي الْمُجَادِلِينَ. قَالَ مُوسَى هَذَا مِنْ الثِّقَاتِ الْعُدُولِ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنْ الْمَشَاهِيرِ. فَأَرَادَ الدَّفْعَ بِمَا اتَّفَقَ مِنْ غَيْرِ مُرَاقَبَةٍ مِنْهُ فِيمَا يَقُولُ.
ثُمَّ إنَّ أَصْحَابَنَا تَكَلَّمُوا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ضَرْبًا عَنْ التَّكَلُّفِ. فَإِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَظْهَرُ عَلَيْهَا مِنْ التَّنَاقُضِ مَا لَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَهَبَ الْخِدَاعُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخِدَاعَ فِي الْعُقُودِ حَرَامٌ وَأَنَّ الْعَقْدَ إذَا كَانَ خِدَاعًا لَمْ يَحِلَّ. وَإِلَّا لَمَا فَرَّقَ بَيْنَ ذَهَابِهِ وَثُبُوتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute