وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ الَّذِي يُعْقَدُ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَلَا إعْلَانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَرْدُودٌ. فَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْمُحَلِّلِ وَلَا غَيْرُهُ حَتَّى يَحْصُلَ بِهِ الْخِدَاعُ، وَإِنَّمَا يُخَادِعُ الْمُخَادِعُ بِأَنْ يُظْهِرَ مَا يَنْفُقُ فِي الظَّاهِرِ، فَإِذَا كَانَ مَعَ فَسَادِ الْعَقْدِ فِي الظَّاهِرِ لَا خِدَاعَ وَمَعَ صِحَّتِهِ فِي الظَّاهِرِ لَا خِدَاعَ، فَلَمْ يَبْقَ لِلْخِدَاعِ مَوْضِعٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ أَوْ فَاسِدٌ، فَكَانَ هَذَا الْكَلَامُ بِعَيْنِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْعَقْدِ حَلَالٌ حَرَامٌ وَهَذَا تَنَاقُضٌ، وَإِنَّمَا أَحْسِبُ الَّذِي وَضَعَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَدْ بَلَغَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَغَيْرِهِ، أَنَّ التَّحْلِيلَ خِدَاعٌ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَضَعَ حَدِيثًا يُبَيِّنُ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا رُوعِيَتْ شُرُوطُهُ الظَّاهِرَةُ فَقَطْ ذَهَبَ خِدَاعُهُ فَيَكُونُ خِدَاعُهُ إذَا لَمْ يُرَاعِ وَذَلِكَ أَيْضًا لَا خِدَاعَ فِيهِ، إنَّمَا الْخِدَاعُ فِيمَا خَالَفَ ظَاهِرُهُ، فَلِجَهْلِهِ بِمَعْنَى الْخِدَاعِ رَكَّبَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَكَانَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ مُحَرَّمٌ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَلَا نَرَاهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ كَانَ قَدْ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ إرَادَةَ التَّحْلِيلِ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الرَّجُلِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجْزِمُوا بِأَنَّهُ أَرَادَ التَّحْلِيلَ بَلْ ظَنُّوهُ ظَنًّا، وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، ثُمَّ لَوْ لَمْ تَكُنْ الْإِرَادَةُ مُؤَثِّرَةً فِي الْعَقْدِ لَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا أَرَادَ تَحْلِيلَهَا أَيْ إنْكَارَ فِي هَذَا كَمَا قَالُوا تَزَوَّجَهَا يُرِيدُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا، أَوْ يُرِيدُ أَنَّهَا أَعْجَبَتْهُ إنْ أَمْسَكَهَا وَإِنْ كَرِهَهَا فَارَقَهَا، أَوْ نَكَحَهَا يُرِيدُ أَنْ تُرَبِّيَ أَوْلَادَهُ كَمَا قَالَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الَّتِي لَا تُحَبُّ فَإِنَّ جَوَابَ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ وَإِذَا فَعَلَ هَذَا فَأَيُّ مُنْكَرٍ فِي هَذَا فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ عُلِمَ أَنَّ ذَاكَ مُؤَثِّرٌ، لَكِنْ إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ وَلَا نَرَاهُ إلَّا يُرِيدُ أَنْ يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا قَالَ الْأَصْلُ فِي أَقْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْمَالِهِمْ الصِّحَّةُ، فَلَا يُظَنُّ بِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ إلَّا لِإِمَارَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ لَوْ ظَنَنَّا ذَلِكَ فَإِنَّا لَمْ نُؤَمَّرْ أَنْ نُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا نَشُقَّ بُطُونَهُمْ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُسْتَأْذَنُ فِي قَتْلِ بَعْضِ مَنْ يُظَنُّ بِهِ النِّفَاقُ، يَقُولُ أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ أَلَيْسَ يُصَلِّي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ، كَذَلِكَ إذَا رَأَيْنَا عَقْدًا مَعْقُودًا بِشَرَائِطِهِ الْمُعْتَبَرَةِ، لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنَّ نَقُولَ هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ أَرَادَ كَذَا وَكَذَا.
لَكِنْ يُقَالُ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ أَرَادَ التَّحْلِيلَ فَهُوَ مَلْعُونٌ وَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ رَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُنَازِعِ أَنَّهُ لَمْ يَبْحَثْ عَنْ نِيَّةِ الرَّجُلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute