أَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِمَا حَصَلَ لَهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ مَعَ حِلِّ الِانْتِفَاعِ لِلْآخَرِ، كَمَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَحُولُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَالِهِ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ يَنْتَفِعُ بِهِ مَالِكُ الْمَالِ حَلَالًا مَعَ أَنَّ الْحَائِلَ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِمَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي حَالَ بَيْنَ مَالِكِهِ وَبَيْنَهُ، فَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحَدِهِمَا فَاسِدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ، وَمَعْنَى التَّصْحِيحِ مَا حَصَلَ الْعِوَضُ الْمَقْصُودُ بِهِ وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ تَنْوِيعُهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا أَنْ تَخْدَعَهُ بِأَنْ تَسْتَحْلِفَهُ يَمِينًا بِالطَّلَاقِ. ثُمَّ تَحُثُّهُ فِيهَا بِأَنْ تَقُولَ أَقَارِبِي يُرِيدُونَ أَنْ أَذْهَبَ إلَيْهِمْ وَأَنَا أَكْرَهُ ذَلِكَ، فَاحْلِفْ عَلَى أَنْ لَا أَخْرُجَ إلَيْهِمْ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، فَيَحْلِفُ ثُمَّ تَذْهَبُ إلَيْهِمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَذَا أَيْضًا لَا رَيْبَ فِي تَحْرِيمِهِ فَإِنَّ هَذِهِ عَصَتْهُ بِأَنْ فَعَلَتْ مَا نَهَاهَا عَنْهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَنَحْوِهِ، وَخَدَعَتْهُ بِأَنْ احْتَالَتْ عَلَى أَنْ طَلَّقَ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْحِيلَةُ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذِهِ مِثْلُ مَا قَبْلَهَا.
الْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ: أَنْ تَفْعَلَ هِيَ مَا يُوجِبُ فُرْقَتَهَا مِثْلَ أَنْ تَرْتَدَّ أَوْ تُرْضِعَ امْرَأَةً صَغِيرَةً حَتَّى تَصِيرَ مِنْ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، أَوْ تُبَاشِرَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمُرْتَدَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْفَسِخَ نِكَاحُهَا، فَأَمَّا الْإِرْضَاعُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَيَنْفَسِخُ بِهِمَا النِّكَاحُ فَهَذَا أَيْضًا تَحْرِيمُهُ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَهَذَا قَدْ أُزِيلَ نِكَاحُهُ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ، كَمَا صُرِفَ الْخَاطِبُ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ، ثُمَّ إزَالَةُ النِّكَاحِ الَّذِي قَدْ حَصَلَ لَيْسَ مِثْلَ مَنْعِ الْمُنْتَظِرِ، فَإِذَا كَانَتْ قَدْ قَصَدَتْ هَذَا حِينَ الْعَقْدِ فَقَدْ تَعَدَّدَتْ الْمُحَرَّمَاتُ، وَفَسَادُ الْعَقْدِ الثَّانِي هَذَا أَظْهَرُ مِنْ فَسَادِ عَقْدِ الْخَاطِبِ الثَّانِي بِكَثِيرٍ، وَفَسَادُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ هُنَا مُحْتَمَلٌ، فَإِنَّ هَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُحَلِّلِ حَيْثُ نَوَتْ أَنْ تَفْعَلَ مَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ، كَمَا نَوَى الرَّجُلُ الْفُرْقَةَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نِيَّةِ الْفُرْقَةِ وَنِيَّةِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ، فَإِنَّ نِيَّةَ الْمَرْأَةِ وَالْمُطَلِّقِ بَيْعُ الزَّوْجِ الْعَبْدَ لَهَا لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ نِيَّةِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ الْفُرْقَةَ، لَكِنْ يُقَالُ إنَّهَا قَدْ لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِرْضَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ، كَتَمَكُّنِ الزَّوْجِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَتَمَكُّنِ الْمُطَلِّقِ مِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَنْوِيَّ هُنَا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِهِ، فَقَدْ لَا يَفْعَلُهُ بِخِلَافِ مَا كَانَ مُبَاحَ الْأَصْلِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ يَجْعَلْ الشَّرْعُ إلَيْهَا هَذَا الْفَسْخَ مُبَاشَرَةً وَلَا سَبَبًا، فَنِيَّتُهَا أَنْ تَفْعَلَهُ مِثْلُ مُخَادَعَةِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِلْآخَرِ، وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ بِخِلَافِ نِيَّةِ الزَّوْجِ لِلْفَسْخِ فَإِنَّ الشَّارِعَ مَلَّكَهُ إيَّاهُ فَإِذَا نَوَاهُ خَرَجَ الْعَقْدُ عَنْ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute