أَوْ النَّقْصِ أَوْ الْعَيْبِ أَيْضًا قَرِيبَةٌ مِنْ هَذَا، وَمَتَى تَزَوَّجَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَفَارَقَتْ فَهِيَ كَالرَّجُلِ الْمُحَلِّلِ وَأَسْوَأَ، فَلَا يَحِلُّ لَكِنْ لَوْ أَقَامَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ كَمَا فِي الرَّجُلِ الْمُحَلِّلِ، وَلَوْ عَلِمَ الرَّجُلُ أَنَّ هَذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهَا وَهِيَ مُقِيمَةٌ عَلَيْهِ، فَهَلْ يَسَعُهُ الْمُقَامُ مَعَهَا هَذَا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ مَمْلُوكَةٌ وَالزَّوْجُ هُوَ الْمَالِكُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَاقِدًا وَمَعْقُودًا عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْغَالِبَ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّهُ مَالِكٌ وَالْغَالِبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ.
وَنِيَّةُ الْإِنْسَانِ قَدْ لَا تُؤَثِّرُ فِي إبْطَالِ مِلْكِ غَيْرِهِ، كَمَا يُؤَثِّرُ فِي إبْطَالِ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ مُحَرَّمٍ، فَالرَّجُلُ إذَا نَوَى التَّحْلِيلَ فَقَدْ قَصَدَ مَا يُنَافِي الْمِلْكَ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَهُ فَانْتَفَتْ سَائِرُ الْأَحْكَامِ تَبَعًا، وَإِذَا نَوَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَأْتِيَ بِالْفُرْقَةِ فَقَدْ نَوَى هُوَ لِلْمِلْكِ وَهِيَ قَدْ مَلَّكَتْهُ نَفْسَهَا فِي الظَّاهِرِ، وَالْمِلْكُ يَحْصُلُ لَهُ إذَا قَصَدَهُ حَقِيقَةً مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ ظَاهِرًا، لَكِنَّ نِيَّتَهَا تُؤَثِّرُ فِي جَانِبِهَا خَاصَّةً فَلَا يَحْصُلُ لَهَا بِهَذَا النِّكَاحِ حِلُّهَا لِلْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ تَقْصِدْ أَنْ تَنْكِحَ، وَإِنَّمَا قَصَدَتْ أَنْ تُنْكَحَ، وَالْقُرْآنُ قَدْ عَلَّقَ الْحِلُّ بِأَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] ، يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ نِكَاحٌ حَقِيقَةً مِنْ جِهَتِهَا لِزَوْجٍ هُوَ زَوْجٌ حَقِيقَةً، فَإِذَا كَانَ مُحَلِّلًا لَمْ يَكُنْ زَوْجًا بَلْ تَيْسًا مُسْتَعَارًا، وَإِذَا كَانَتْ قَدْ نَوَتْ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَرْفَعُ النِّكَاحَ لَمْ تَكُنْ نَاكِحَةً حَقِيقَةً، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْأَحْكَامِ دَقِيقَةُ الْمَسْلَكِ وَتَحْرِيرُهَا يُسْتَمَدُّ مِنْ تَحْقِيقِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ. وَالْفَسَادُ وَإِمْكَانُ فَسَادِ الْعَقْدِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ فِي هَذَا لَا يَخُصُّ مَسْأَلَةَ التَّحْلِيلِ لَمْ يَحْسُنْ بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ، وَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي نِيَّةِ الْمَرْأَةِ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا.
وَلَا تَحْسَبَنَّ أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ نِيَّةَ الْمَرْأَةِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ يَعُمُّ مَا إذَا نَوَتْ أَنْ تُفَارِقَ بِطَرِيقِ تَمَلُّكِهِ، فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْفُرْقَةَ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، ثُمَّ إنَّهُمْ قَالُوا إنَّ نِيَّةَ الْمَرْأَةِ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، فَأَمَّا إذَا نَوَتْ وَعَمِلَتْ مَا نَوَتْ فَلَمْ يَنْفُوا تَأْثِيرَ الْعَمَلِ مَعَ النِّيَّةِ، عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ الْمُطْلَقَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يَمْلِكُهُ النَّاوِي، فَعَلِمَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالنِّيَّةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالْأَوَّلِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا إذَا نَوَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ شَيْئًا كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنَّ هَذِهِ النِّيَّةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِنِكَاحِ الثَّانِي، وَلَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute