وَكَذَلِكَ الشَّهِيدُ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَغْسِيلِهِ فَقَالَ: غُسِّلَ عُمَرُ وَهُوَ شَهِيدٌ. وَالْأَكْثَرُونَ بَلَغَهُمْ «سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَوْلُهُ: زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ، فَإِنَّ أَحَدَهُمْ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ» . الْحَدِيثُ فِي الصِّحَاحِ، فَأَخَذُوا بِذَلِكَ فِي شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَثَّ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ يَعْقِدُ الْإِزَارَ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْعَقْدِ. وَكَرِهَ ابْنُ عُمَرَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَعْقِدَ الرِّدَاءَ، كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إذَا عَقَدَ عُقْدَةً صَارَ يُشْبِهُ الْقَمِيصَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ يَدَانِ، وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، فَكَرِهُوهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، فَيُوجِبُونَ الْفِدْيَةَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَأَمَّا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَلَا يُوجِبُونَ الْفِدْيَةَ، وَهَذَا أَقْرَبُ. وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَرَاهَةَ عَقْدِ الرِّدَاءِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَلْتَحِفُ وَلَا يَثْبُتُ بِالْعَادَةِ إلَّا بِالْعَقْدِ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ، مِثْلُ الْخِلَالِ، وَرَبْطِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى حَقْوِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَهْلُ الْحِجَازِ أَرْضُهُمْ لَيْسَتْ بَارِدَةً، فَكَانُوا يَعْتَادُونَ لُبْسَ الْأُزُرِ وَالْأَرْدِيَةِ، وَلُبْسُ السَّرَاوِيلُ قَلِيلٌ فِيهِمْ، حَتَّى إنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ لَا يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ قَطُّ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَغَيْرُهُ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ لَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْأُزُرِ وَالْأَرْدِيَةِ لَمْ يَكْفِهِمْ ذَلِكَ، بَلْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْقَمِيصِ وَالْخِفَافِ وَالْفِرَاء وَالسَّرَاوِيلَاتِ.
وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: يُسْتَحَبُّ مَعَ الرِّدَاءِ الْإِزَارُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْفَخِذَيْنِ، وَيُسْتَحَبُّ مَعَ الْقَمِيصِ السَّرَاوِيلُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَمَعَ الْقَمِيصِ لَا يَظْهَرُ تَقَاطِيعُ الْخَلْقِ، وَالْقَمِيصُ فَوْقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute