السَّرَاوِيلِ يَسْتُرُ، بِخِلَافِ الرِّدَاءِ فَوْقَ السَّرَاوِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتُرُ تَقَاطِيعَ الْخَلْقِ. وَأَمَّا الرِّدَاءُ فَوْقَ السَّرَاوِيلِ: فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْتَحِبُّهُ تَشَبُّهًا بِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَحِبُّهُ لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ عَادَتِهِمْ الْمَعْرُوفَةَ لُبْسُهُ مَعَ الْإِزَارِ، وَمَنْ اعْتَادَ الرِّدَاءَ ثَبَتَ عَلَى جَسَدِهِ بِعَطْفِ أَحَدِ طَرَفَيْهِ، وَإِذَا حَجَّ مَنْ لَمْ يَتَعَوَّدْ لُبْسَهُ، وَكَانَ رِدَاؤُهُ صَغِيرًا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِعَقْدِهِ، وَكَانَتْ حَاجَتُهُمْ إلَى عَقْدِهِ كَحَاجَةِ مَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ إلَى الْخُفَّيْنِ، فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَى سَتْرِ الْبَدَنِ قَدْ تَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى سَتْرِ الْقَدَمَيْنِ. وَالتَّحَفِّي فِي الْمَشْيِ يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ.
وَأَمَّا إظْهَارُ بَدَنِهِ لِلْحَرِّ، وَالْبَرْدِ وَالرِّيحِ، وَالشَّمْسِ، فَهَذَا يَضُرُّ غَالِبَ النَّاسِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْمُصَلِّيَ بِسَتْرِ ذَلِكَ فَقَالَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» .
وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ حَافِيًا، فَعُلِمَ أَنَّ سَتْرَ هَذَا إلَى اللَّهِ أَحَبُّ مِنْ سَتْرِ الْقَدَمَيْنِ بِالنَّعْلَيْنِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ، رُخِّصَ فِيهِ فِي الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ، فَلَأَنْ يُرَخَّصَ فِي هَذَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.
فَإِنْ قِيلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَخَّصَ فِي لُبْسِ الْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ، وَنَحْوِهِمَا: لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الرِّدَاءَ. قِيلَ الْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِأَنْ يَلْتَحِفَ بِذَلِكَ عَرْضًا مَعَ رَبْطِهِ وَعَقْدِ طَرَفَيْهِ فَيَكُونُ كَالرِّدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّبْطُ فَإِنَّ طَرَفَيْ الْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ وَنَحْوِهِمَا لَا يَثْبُتُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْأَرْدِيَةُ الصِّغَارُ فَمَا وَجَدَهُ الْمُحْرِمُ مِنْ قَمِيصٍ، وَمَا يُشْبِهُهُ كَالْجُبَّةِ، وَمِنْ بُرْنُسٍ، وَمَا يُشْبِهُهُ مِنْ ثِيَابٍ مُقَطَّعَةٍ، أَمْكَنَهُ أَنْ يَرْتَدِيَ بِهَا إذَا رَبَطَهَا، فَيَجِبُ أَنْ يُرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي الْأَصْلِ مَحْظُورًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَعِنْدَ الْحَاجَةِ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ كَمَا رَخَّصَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْهِمْيَانَ لِحِفْظِ مَالِهِ، وَيَعْقِدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute