أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيِّ، لِمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ مَذْهَبِهِ. مَعَ إعْلَامِيَّةِ نَهْيِهِ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَا يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَلَا يُشَدِّدَ عَلَيْهِمْ قَالَ: لَا تُقَلِّدْ دِينَك الرِّجَالَ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَسْلَمُوا مِنْ أَنْ يَغْلَطُوا. فَإِذَا كَانَ هَذَا قَوْلَهُمْ فِي الْأُصُولِ الْعِلْمِيَّةِ وَفُرُوعِ الدِّينِ لَا يَسْتَجِيزُونَ إلْزَامَ النَّاسِ بِمَذَاهِبِهِمْ مَعَ اسْتِدْلَالِهِمْ عَلَيْهَا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَكَيْفَ بِإِلْزَامِ النَّاسِ وَإِكْرَاهِهِمْ عَلَى أَقْوَالٍ لَا تُوجَدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا تُؤْثَرُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِابْنِ أَبِي دُؤَادٍ الْجَهْمِيِّ الَّذِي كَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ فِي عَهْدِ الْمُعْتَصِمِ، لَمَّا دَعَا النَّاسَ إلَى التَّجَهُّمِ، وَأَنْ يَقُولُوا الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ، وَأَكْرَهَهُمْ عَلَيْهِ بِالْعُقُوبَةِ، وَأَمَرَ بِعَزْلِ مَنْ لَمْ يُجِبْهُ وَقَطَعَ رِزْقَهُ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فَعَلَهُ فِي مِحْنَتِهِ الْمَشْهُورَةِ، فَقَالَ لَهُ فِي مُنَاظَرَتِهِ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَنْ يُوَافِقَهُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ. ائْتُونِي بِشَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ حَتَّى أُجِيبَكُمْ بِهِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ: وَأَنْتَ لَا تَقُولُ إلَّا بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ؟ فَقَالَ لَهُ: هَبْ أَنَّكَ تَأَوَّلَتْ تَأْوِيلًا فَأَنْتَ أَعْلَمُ وَمَا تَأَوَّلْت، فَكَيْفَ تَسْتَجِيزُ أَنْ تُكْرِهَ النَّاسَ عَلَيْهِ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ. فَبَيَّنَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى تَرْكِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ، أَوْ فِعْلِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَقُولُوهُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ إنَّمَا يُتَلَقَّى مِنْ الشَّارِعِ، وَإِنْ كَانَ لِلْقَوْلِ فِي نَفْسِهِ حَقًّا، أَوْ اعْتَقَدَ قَائِلُهُ أَنَّهُ حَقٌّ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ النَّاسَ أَنْ يَقُولُوا مَا لَمْ يُلْزِمْهُمْ الرَّسُولُ أَنْ يَقُولُوهُ لَا نَصًّا وَلَا اسْتِنْبَاطًا، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُ الْقَائِلِ: الْمَطْلُوبُ مِنْ فُلَانٍ أَنْ يَعْتَقِدَ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِكَذَا وَكَذَا، إيجَابٌ عَلَيْهِ لِهَذَا الِاعْتِقَادِ، وَتَحْرِيمٌ عَلَيْهِ لِهَذَا الْفِعْلِ.
وَإِذَا كَانُوا لَا يَرَوْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute