خُرُوجَهُ مِنْ السِّجْنِ إلَّا بِالْمُوَافَقَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ اسْتَحَلُّوا عُقُوبَتَهُ وَحَبْسَهُ حَتَّى يُطِيعَهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا أَمَرُوا بِهِ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَمَا نَهُوا عَنْهُ قَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ، كَانُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْجَهْمِيَّةِ الْمُشَابِهِينَ لِلْمُشْرِكِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَالٍ، وَهُمْ أَيْضًا يُبَيِّنُوا أَنَّهُ يُوجَدُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَلَوْ كَانَ هَذَا مَوْجُودًا فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَكَانَ عَلَيْهِمْ بَيَانُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ لَا تَجُوزُ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: ١٥] فَإِذَا لَمْ يُقِيمُوا حُجَّةَ اللَّهِ الَّتِي يُعَاقَبُ مَنْ خَالَفَهَا، بَلْ لَا يُوجَدُ مَا ذَكَرُوهُ فِي حُجَّةِ اللَّهِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَبْلِيغِ حُجَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ مُمَاثَلَةً لِمَا ذُكِرَ مِنْ حَالِ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ الْمُضَاهِينَ لِلْمُشْرِكِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْمُنَافِقِينَ.
الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي قَالُوهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ لَمْ يَجُزْ الْإِلْزَامُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ دَلَالَتِهِ، فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ لَا تَجُوزُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ مِمَّا أَظْهَرَهُ الرَّسُولُ وَبَيَّنَهُ، فَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ بِبَيَانِ رَسُولِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ حُجَّتِهِ وَإِظْهَارِهَا الَّتِي يَجِبُ مُوَافَقَتُهَا وَيَحْرُمُ مُخَالَفَتُهَا، وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي أَهْلِ الْبَغْيِ الْمُتَأَوِّلِينَ: إنْ ذَكَرُوا مَظْلَمَةٌ أَزَالَهَا الْإِمَامُ، وَإِنْ ذَكَرُوا شُبْهَةً بَيَّنُوهَا لَهُ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنُوا صَوَابَ الْقَوْلِ أَصْلًا بَلْ ادَّعَوْهُ دَعْوًى مُجَرَّدَةً حُورِبُوا. فَكَيْفَ يَجِبُ الْتِزَامُ مِثْلِ ذَلِكَ الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ الرَّسُولِ، وَهَلْ يَفْعَلُ هَذَا مَنْ لَهُ عَقْلٌ أَوْ دِينٌ؟ ،.
الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّهُمْ لَوْ بَيَّنُوا صَوَابَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْقَوْلِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوجِبًا لِعُقُوبَةِ تَارِكِهِ، فَلَيْسَ كُلُّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا نِزَاعٌ إذَا أَقَامَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ الْحُجَّةَ عَلَى صَوَابِ قَوْلِهِ مِمَّا يُسِيغُ لَهُ عُقُوبَةَ مُخَالِفَةِ، بَلْ عَامَّةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَنَازَعَتْ فِيهَا الْأُمَّةُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ أَنْ يُعَاقِبَ الْآخَرَ عَلَى تَرْكِ اتِّبَاعِ قَوْلِهِ. فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَذْكُرُوا حُجَّةً أَصْلًا وَلَمْ يُظْهِرُوا صَوَابَ قَوْلِهِمْ.
الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي أَلْزَمُوا بِهِ حَقٌّ وَصَوَابٌ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute