ظَهَرَتْ حُجَّتُهُ، وَوَجَبَتْ عُقُوبَةُ تَارِكِ الْتِزَامِهِ، فَهَذَا لَمْ يَذْكُرُوهُ إلَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ، بَعْدَ هَذَا الطَّلَبِ وَالْحَبْسِ وَالنِّدَاءِ عَلَى الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ بِالْمَنْعِ مِنْ مُوَافَقَتِهِ، وَنِسْبَتِهِ إلَى الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، وَمُخَالَفَةِ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَّامِ، وَخُرُوجِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ إلَى أَنْوَاعٍ أُخَرَ مِمَّا قَالُوهُ وَفَعَلُوهُ فِي حَقِّهِ، مِنْ الْإِيذَاءِ وَالْعُقُوبَةِ وَالضَّرَرِ زَاعِمِينَ أَنَّ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ الْفَتَاوَى وَالْكُتُبِ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ، فَإِذَا أَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ شَيْئًا مِنْ الْخَطَإِ وَالضَّلَالِ الْمُوجِبِ لِلْعُقُوبَةِ، لَمْ يَكُنْ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالدُّعَاءِ إلَى مَقَالَةٍ إنْشَاؤُهَا مُبِيحًا لِمَا فَعَلُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الظُّلْمِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ، وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَالتَّبْدِيلِ لِدِينِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ ظُلْمٍ إلَى ظُلْمٍ؛ لِيُقَرِّرُوا بِالظُّلْمِ الْمُتَأَخِّرِ حُسْنَ الظُّلْمِ الْمُتَقَدِّمِ. كَمَنْ يَسْتَجِيرُ مِنْ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ، وَهَذَا يَزِيدُهُمْ إثْمًا وَعَذَابًا، فَهَبْ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ وَافَقَهُمْ الْآنَ عَلَى مَا أَنْشَأَهُ مِنْ الْقَوْلِ، أَيُّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى خَطَئِهِ وَضَلَالِهِ فِي أَقْوَالِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذَا لَمْ تُنَافِ هَذَا الْقَوْلَ؟ دَعْ اسْتِحْقَاقَ الْعُقُوبَةِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ، فَمَا لَمْ يُبَيِّنُوا أَنَّ فِيمَا صَدَرَ عَنْهُ قَبْلَ طَلَبِهِ وَحَبْسِهِ وَإِعْلَامِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْهُمْ هَذَا وَهُمْ قَدْ عَجَزُوا عَنْ إبْدَاءِ خَطَأٍ أَوْ ضَلَالٍ فِيمَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ الْمَقَالِ، وَهُمْ دَائِمًا يَسْتَعْفُونَ مِنْ الْمُحَاقَّةِ وَالْمُنَاظَرَةِ بِلَفْظٍ أَوْ خَطٍّ، وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً: مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا فَلْيَكْتُبْ مَا يُنْكِرُهُ بِخَطِّهِ، وَيَذْكُرُ حُجَّتَهُ، وَيَكْتُبُ جَوَابَهُ، وَيُعْرَضُ الْأَمْرَانِ عَلَى عُلَمَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَأُبْلِسُوا وَبُهِتُوا وَطُلِبَ مِنْهُمْ غَيْرَ مَرَّةٍ الْمُخَاطَبَةُ فِي الْمُحَاضَرَةِ، وَالْمُحَاقَّةِ وَالْمُنَاظَرَةِ، فَظَهَرَ مِنْهُمْ مِنْ الْعِيِّ فِي الْخِطَابِ، وَالنُّكُوصِ عَلَى الْأَعْقَابِ، وَالْعَجْزِ عَنْ الْجَوَابِ مَا قَدْ اُشْتُهِرَ وَاسْتَفَاضَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدَائِنِ وَالْأَعْرَابِ.
وَمِنْ قُضَاتِهِمْ الْفُضَلَاءِ مَنْ كَتَبَ اعْتِرَاضًا عَلَى الْفُتْيَا الْحَمَوِيَّةِ، وَضَمَّنَهُ أَنْوَاعًا مِنْ الْكَذِبِ وَأُمُورًا لَا تَتَعَلَّقُ بِكَلَامِ الْمُعْتَرَضِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَتَبْت جَوَابَهُ فِي مُجَلَّدَاتٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ كَتَبَ شَيْئًا ثُمَّ خَبَّأَهُ وَطَوَاهُ عَنْ الْأَبْصَارِ. وَخَافَ مِنْ نَشْرِهِ ظُهُورَ الْعَارِ، وَخِزْيَ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالصَّغَارِ، إذْ مَدَارُ الْقَوْمِ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا الْكَذِبُ الصَّرِيحُ، وَإِمَّا الِاعْتِقَادُ الْقَبِيحُ. فَهُمْ لَنْ يَخْلُوا مِنْ كَذِبٍ كَذَبَهُ بَعْضُهُمْ وَافْتَرَاهُ، وَظَنٍّ بَاطِلٍ خَابَ مَنْ تَقَلَّدَهُ وَتَلَقَّاهُ. وَهَذِهِ حَالُ سَائِرِ الْمُبْطِلِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute