فَصْلٌ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الَّذِي نَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَعْتَقِدَهُ أَنْ يَنْفِيَ الْجِهَةَ عَنْ اللَّهِ وَالتَّحَيُّزَ. فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَمَعْنَاهُ الَّذِي أَرَادُوهُ لَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ عِنْدِهِ، وَلَا هُوَ مَأْثُورًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ، لَا خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا هُوَ أَيْضًا مَحْفُوظًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَصْلًا، وَإِذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَكْمَلَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ دِينَهَا، وَأَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ لِهَذِهِ مَا تَتَّقِيهِ، كَمَا قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] الْآيَةَ، وَقَالَ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: ١١٥] وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ لِلْأُمَّةِ الْإِيمَانَ الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عُلِمَ بِمَجْمُوعِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَيْسَ مِنْ دِينِ اللَّهِ، وَلَا مِنْ الْإِيمَانِ، وَلَا مِنْ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ الْتَزَمَ اعْتِقَادَهُ فَقَدْ جَعَلَهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ، وَذَلِكَ تَبْدِيلٌ لِلدِّينِ، كَمَا بَدَّلَ مَنْ بَدَّلَ مِنْ مُبْتَدِعَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَمُبْتَدِعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ دِينَ الْمُرْسَلِينَ.
يُوَضِّحُ ذَلِكَ الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ نَزَّهَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ النَّقَائِصِ، تَارَةً بِنَفْيِهَا وَتَارَةً بِإِثْبَاتِ أَضْدَادِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: ٣] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ٤] ، وقَوْله تَعَالَى {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء: ١١١] ، وقَوْله تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ١] ، الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة: ٢٥٥] ، وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٠]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute