للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ» إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ.

وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الْجِهَةِ وَالتَّحَيُّزِ عَنْ اللَّهِ وَلَا وَصْفُهُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ لُزُومًا بَيِّنًا نَفْيَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ مَعَ كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِهِ، وَمَعَ كَوْنِ الرَّسُولِ قَدْ بَلَّغَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ، أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ ثُمَّ لَا يَذْكُرُهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ قَطُّ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى النَّاسُ وَيُؤْمَرُونَ بِاعْتِقَادٍ فِي أُصُولِ الدِّينِ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ عَمَّنْ جَاءَ بِالدِّينِ، هَلْ هَذَا إلَّا صَرِيحُ تَبْدِيلِ الدِّينِ؟ ،.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَدْ قُلْت لَهُمْ: قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ لَيْسَ فِي السَّمَاوَاتِ رَبٌّ وَلَا فَوْقَ الْعَرْشِ إلَهٌ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَعْرُجْ بِهِ إلَى رَبِّهِ، وَمَا فَوْقَ الْعَالَمِ إلَّا الْعَدَمُ الْمَحْضُ. فَهَذَا بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يَعْنِيهِ جُمْهُورُ الْجَهْمِيَّةِ مِنْ مَشَايِخِ الْمُمْتَحِنِينَ وَنَحْوِهِمْ، يُصَرِّحُونَ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ وَكِتَابِهِمْ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِيطُ بِهِ مَخْلُوقَاتُهُ وَلَا يَكُونُ فِي جَوْفِ الْمَوْجُودَاتِ، فَهَذَا مَذْكُورٌ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِي. وَإِثْبَاتُ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ بِذَاتِهِ فِي الْمَوْجُودَاتِ لَيْسَ خَارِجًا عَنْهَا. هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْجَهْمِيَّةِ أَيْضًا الَّذِينَ يَنْفُونَ أَنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ أَيْضًا سَوَاءٌ قَالُوا إنَّهُ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَان، أَوْ قَالُوا إنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودَاتُ كَمَا يَقُولُهُ الِاتِّحَادِيَّةُ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ الَّذِينَ يَنْفُونَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ بَائِنًا مِنْ خَلْقِهِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ دَاخِلُ الْعَالَمِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ دَاخِلُهُ وَخَارِجُهُ مُتَنَاهِيًا أَوْ غَيْرَ مُتَنَاهٍ جِسْمًا أَوْ غَيْرَ جِسْمٍ، كَمَا بَيَّنَّا مَقَالَاتِهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

فَصَارَتْ الْجَهْمِيَّةُ الَّذِينَ يَنْفُونَ عَنْ اللَّهِ الْجِهَةَ وَالْحَيِّزَ، مَقْصُودُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ رَبٌّ، وَلَا فَوْقَ السَّمَاوَاتِ إلَهٌ. وَالْجَهْمِيَّةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ فِي الْمَوْجُودَاتِ، يُثْبِتُونَ لَهُ الْجِهَةَ وَالْحَيِّزَ. فَبَيَّنْت فِي الْجَوَابِ بُطْلَانَ قَوْلِ فَرِيقَيْ الْجَهْمِيَّةِ النُّفَاةِ وَالْمُثْبِتَةِ، فَإِنَّ نُفَاةَ الْجَهْمِيَّةِ لَا يَعْبُدُونَ شَيْئًا، وَمُثْبِتَتَهُمْ يَعْبُدُونَ كُلَّ شَيْءٍ، وَذَكَرْتُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>