للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ: التَّحَيُّزُ مِنْ لَوَازِمِ الْجِسْمِ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْقِيَامِ بِالنَّفْسِ كَالتَّمَيُّزِ وَالْمُبَايِنَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَالْحَيِّزُ إمَّا وُجُودِيٌّ، وَإِمَّا عَدَمِيٌّ، فَإِنْ كَانَ عَدَمِيًّا فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي مَعْنَى الْجِهَةِ الْعَدَمِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا لَيْسَ خَارِجًا، أَوْ مَا هُوَ خَارِجًا عَنْهُ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ حُدُودِ الْمُتَحَيِّزِ وَجَوَانِبِهِ فَلَا يَكُونُ الْحَيِّزُ شَيْئًا خَارِجًا عَلَى الْمُتَحَيِّزِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْنَى بِهِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْمُتَحَيِّزِ خَارِجٌ عَنْهُ، فَهَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ غَيْرَ اللَّهِ إلَّا الْعَالَمُ، فَمَنْ قَالَ إنَّهُ فِي حَيِّزٍ مَوْجُودٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، فَقَدْ قَالَ إنَّهُ فِي الْعَالَمِ أَوْ بَعْضِهِ وَهَذَا مِمَّا قَدْ صَرَّحْنَا بِنَفْيِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِ الْمَقَالِ لِيَزُولَ هَذَا الْإِبْهَامُ وَالْإِجْمَالُ.

الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: وَلَا يَقُولُ: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَرْفٌ وَصَوْتٌ قَائِمٌ بِهِ، بَلْ هُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِهِ. فَقَدْ قُلْت فِي الْجَوَابِ الْمُخْتَصَرِ الْبَدِيهِيِّ لَيْسَ فِي كَلَامِي هَذَا أَيْضًا وَلَا قُلْتُهُ قَطُّ، بَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ الْقُرْآنَ حَرْفٌ وَصَوْتٌ قَائِمٌ بِهِ بِدْعَةٌ، وَقَوْلُهُ: إنَّهُ مَعْنًى قَائِمٌ بِهِ بِدْعَةٌ، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ لَا هَذَا وَلَا هَذَا، وَأَنَا لَيْسَ فِي كَلَامِي شَيْءٌ مِنْ الْبِدَعِ، بَلْ فِي كَلَامِي مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ السَّلَفُ، أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَذَلِكَ أَنِّي قَدْ أَجَبْتُ فِي مَسْأَلَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَرْفِ وَالصَّوْتِ، وَمَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ وَالِاضْطِرَابِ فِي جَوَابِ الْفُتْيَا الدِّمَشْقِيَّةِ وَفَصَّلْتُ الْقَوْلَ فِيهَا وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَرْشِ وَبَيَّنْتُهُ.

وَكَذَلِكَ فِي جَوَابِ الْفُتْيَا الْمِصْرِيَّةِ، قَدْ بَيَّنْتُهُ وَفَصَّلْتُهُ فِي هَذَا وَفِي هَذَا، وَأَزَلْتُ مَا وَقَعَ فِيهِ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَالشِّقَاقِ الَّذِي خَرَجُوا بِهِ عَنْ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، إلَى الْبِدْعَةِ وَالِافْتِرَاقِ، وَبَسَطْتُ ذَلِكَ بَسْطًا مُتَوَسِّطًا فِي جَوَابِ الِاسْتِفْتَاءِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ قَاضِي جَيْلَانَ لِمَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْفِتْنَةِ فِي كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَأَظْهَرُوا مِنْ الْبِدْعَةِ وَالْغُلُوِّ فِي الْإِثْبَاتِ، وَنَفْيِ الْخَلْقِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ مَا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْجَهَالَاتِ وَالضَّلَالَاتِ. وَقَدْ كَتَبْتُ جُمَلًا مِنْ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فِي جَوَابِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَى الْفُتْيَا الْحَمَوِيَّةِ، وَفِي فَتَاوَى أُخَرَ وَمَوَاضِعَ أُخَرَ.

قَالَ مَسْأَلَةُ الْقُرْآنِ وَقَعَ فِيهَا بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَالنِّزَاعِ مَا لَمْ يَقَعْ نَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ، إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ السَّلَفِ مَنْ يَبُوحُ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ وَنَفْيِهِ كَمَا كَانَ عَلَى عَهْدِهِمْ مِمَّنْ أَبَاحَ بِإِظْهَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>