فَيَحْتَاجُونَ حِينَئِذٍ إلَى جَحْدِ طَائِفَةٍ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ لِإِخْوَانِهِمْ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا اسْتَظْهَرَ عَلَيْهِمْ أُولَئِكَ الْمُشْرِكُونَ فَصَارَ قَوْلُهُمْ مُشْتَمِلًا عَلَى إيمَانٍ وَكُفْرٍ وَهُدًى وَضَلَالٍ، وَرُشْدٍ وَغَيٍّ، وَجَمَعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَصَارُوا مُخَالِفِينَ لِلْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ كَاَلَّذِي يُقَاتِلُونَ الْكُفَّارَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلُ مَنْ فَرَّطَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ مِنْ مُلُوكِ النَّوَاحِي وَالْأَطْرَافِ، حَتَّى يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران: ١٥٥] .
يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ قِتَالًا مُشْتَمِلًا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ مِنْ الْغَدْرِ وَالْمُثْلَةِ وَالْغُلُولِ وَالْعُدْوَانِ، حَتَّى احْتَاجُوا فِي مُقَاتَلَةِ ذَلِكَ الْعَدُوِّ إلَى الْعُدْوَانِ عَلَى إخْوَانِهِمْ الْمُؤْمِنِينَ، وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَبِلَادِهِمْ، وَصَارُوا يُقَاتِلُونَ إخْوَانَهُمْ الْمُؤْمِنِينَ بِنَوْعٍ مِمَّا كَانُوا يُقَاتِلُونَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ وَرُبَّمَا رَأَوْا قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ آكَدُ وَبِهَذَا وَصَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَوَارِجَ حَيْثُ قَالَ: «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدْعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ» وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي سِيرَةِ كَثِيرِ مِنْ مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَأَهْلِ الْفُجُورِ فَحَالُ أَهْلِ الْأَيْدِي وَالْقِتَالِ، يُشْبِهُ حَالَ أَهْلِ الْأَلْسِنَةِ وَالْجِدَالِ.
وَهَكَذَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مَبْدَأَ حَالِ جَهْمٍ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا أَخْرَجَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ قَالَ أَحْمَدُ: وَكَذَلِكَ الْجَهْمُ وَشِيعَتُهُ دَعَوْا النَّاسَ إلَى الْمُتَشَابِهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا بِكَلَامِهِمْ بَشَرًا كَثِيرًا فَكَانَ مِمَّا بَلَغَنَا مِنْ أَمْرِ الْجَهْمِ عَدُوِّ اللَّهِ: أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ مِنْ أَهْلِ التِّرْمِذِ، وَكَانَ صَاحِبَ خُصُومَاتٍ وَكَلَامٍ وَكَانَ أَكْثَرُ كَلَامِهِ فِي اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلَقِيَ نَاسًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُمْ السُّمَنِيَّةُ، فَعَرَفُوا الْجَهْمَ فَقَالُوا لَهُ: نُكَلِّمُكَ فَإِنْ ظَهَرَتْ حُجَّتُنَا عَلَيْكَ دَخَلْتَ فِي دِينِنَا، وَإِنْ ظَهَرَتْ حُجَّتُك عَلَيْنَا دَخَلْنَا فِي دِينِكَ، فَكَانَ مِمَّا كَلَّمُوا بِهِ الْجَهْمَ أَنْ قَالُوا لَهُ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ لَكَ إلَهًا؟ قَالَ الْجَهْمُ: نَعَمْ فَقَالُوا لَهُ: فَهَلْ رَأَيْتَ إِلَهَكَ؟ قَالَ لَا فَقَالُوا لَهُ هَلْ سَمِعْتَ كَلَامَهُ قَالَ لَا قَالُوا فَشَمَمْتَ لَهُ رَائِحَةً؟ قَالَ: لَا قَالُوا: فَوَجَدْتَ لَهُ حِسًّا؟ قَالَ: لَا قَالُوا: فَوَجَدْتَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute