مَجَسًّا؟ قَالَ: لَا قَالُوا فَمَا يَدْرِيكَ أَنَّهُ إلَهٌ؟ قَالَ فَتَحَيَّرَ الْجَهْمُ فَلَمْ يَدْرِ مَنْ يَعْبُدُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
ثُمَّ إنَّهُ اسْتَدْرَكَ حُجَّةً مِنْ جِنْسِ حُجَّةِ الزَّنَادِقَةِ مِنْ النَّصَارَى، وَذَلِكَ أَنَّ زَنَادِقَةَ النَّصَارَى يَزْعُمُونَ أَنَّ الرُّوحَ الَّتِي فِي عِيسَى هِيَ مِنْ رُوحِ اللَّهِ مِنْ ذَاتِ اللَّهِ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُحْدِثَ أَمْرًا دَخَلَ فِي بَعْضِ خَلْقِهِ فَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ خَلْقِهِ فَيَأْمُرُ بِمَا شَاءَ وَيَنْهَى عَنْ مَا شَاءَ وَهُوَ رُوحٌ غَائِبٌ عَنْ الْأَبْصَارِ. فَاسْتَدْرَكَ الْجَهْمُ حُجَّةً مِثْل هَذِهِ الْحُجَّةِ فَقَالَ لِلسُّمَنِيِّ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ فِيكَ رُوحًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ فَهَلْ رَأَيْت رُوحَكَ؟ قَالَ لَا. قَالَ: فَسَمِعْتَ كَلَامَهُ قَالَ لَا: قَالَ فَوَجَدْتَ لَهُ حِسًّا؟ قَالَ لَا. قَالَ: فَكَذَلِكَ اللَّهُ لَا يُرَى لَهُ وَجْهٌ، وَلَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ، وَلَا يُشَمُّ لَهُ رَائِحَةٌ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ الْأَبْصَارِ، وَلَا يَكُونُ فِي مَكَان دُونَ مَكَان قَالَ وَوَجَدَ ثَلَاثَ آيَاتٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْمُتَشَابِهِ قَوْلُهُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] . {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: ٣] . {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام: ١٠٣] . فَبَنَى أَصْلَ كَلَامِهِ كُلِّهِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، وَتَأَوَّلَ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ، وَكَذَّبَ بِأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَزَمَ أَنَّ مَنْ وَصَفَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ حَدَّثَ عَنْهُ رَسُولُهُ كَانَ كَافِرًا، وَكَانَ مِنْ الْمُشَبِّهَةِ، وَأَضَلَّ بَشَرًا كَثِيرًا، وَتَبِعَهُ عَلَى قَوْلِهِ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ بِالْبَصْرَةِ، وَوَضَعَ دِينَ الْجَهْمِيَّةِ.
وَهَكَذَا وَصَفَ الْعُلَمَاءُ حَالَ جَهْمٍ كَمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ الْبَيْكَنْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ تَأْلِيفِهِ، مَا جَاءَ فِي بُدُوِّ الْجَهْمِيَّةِ وَالسُّمَنِيَّةِ وَكَيْفَ كَانَ شَأْنُهُمْ وَكُفْرُهُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ أَكْذَبَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ مِنْ السُّمَنِيَّةِ. قَالَ: وَهُوَ عِنْدَنَا كَمَا قَالَ لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَجْهَلَ وَلَا أَحَقَّ قَوْلًا مِنْهُمْ، لَا يَتَعَلَّقُونَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِشَيْءٍ وَلَا يَحْتَجُّونَ إنَّمَا هُوَ حُبٌّ وَبُغْضٌ، وَمَنْ أَحَبَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ أَبْغَضَ دَخَلَ النَّارَ، وَصَارَتْ طَائِفَةً جَهْمِيَّةً لَمْ تَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ مُحْدَثٌ وَيَرَوْنَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، وَكَانَ جَهْمٌ فِيمَا بَلَغَنَا لَا يُعْرَفُ بِفِقْهٍ وَلَا وَرَعٍ وَلَا صَلَاحٍ، أُعْطِيَ لِسَانًا مُنْكِرًا، فَكَانَ يُجَادِلُ وَيَقُولُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute