للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُبَيِّنُ مَا ذَكَرْتُهُ فَإِنَّهُ لَمَّا نَاظَرَ مَنْ نَاظَرَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ السُّمَنِيَّةِ مِنْ الْهِنْدِ، وَجَحَدُوا الْإِلَهَ لِكَوْنِ الْجَهْمِ لَمْ يُدْرِكْهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَوَاسِّهِ، لَا بِبَصَرِهِ، وَلَا بِسَمْعِهِ، وَلَا بِشَمِّهِ وَلَا بِذَوْقِهِ وَلَا بِحِسِّهِ، كَانَ مَضْمُونُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُحِسُّهُ الْإِنْسَانُ بِحَوَاسِّهِ الْخَمْسِ فَإِنَّهُ يُنْكِرُهُ وَلَا يَقْرَبُهُ، فَأَجَابَهُمْ الْجَهْمُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَوْجُودِ مَا لَا يُمْكِنُ إحْسَاسُهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحَوَاسِّ، وَهِيَ الرُّوحُ الَّتِي فِي الْعَبْدِ، وَزَعَمَ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَمْكِنَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ قَوْلُ الصَّابِئَةِ الْفَلَاسِفَةِ الْمَشَّائِينَ، وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ قُتَيْبَةُ يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ: بَلَغَنِي أَنَّ جَهْمًا كَانَ يَأْخُذُ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: شَهِدْتَ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقُشَيْرِيَّ بِوَاسِطَ يَوْمَ أَضْحَى، قَالَ: ارْجِعُوا فَضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكُمْ فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا، ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ، وَهَذَا الْجَعْدُ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ حَرَّانَ وَهُوَ مُعَلِّمُ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَلِهَذَا يُقَالُ لَهُ الْجَعْدِيُّ، وَكَانَ حَرَّانُ إذْ ذَاكَ دَارُ الصَّابِئَةِ الْفَلَاسِفَةِ الْبَاقِينَ عَلَى مِلَّةِ سَلَفِهِمْ أَعْدَاءِ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ كَانَ مِنْهُمْ وَدَعَاهُمْ إلَى الْحَنَفِيَّةِ وَكَانَ مِنْ قِصَّةِ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحُجَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُشْرِكُو الْهِنْدِ بَاطِلَةٌ وَالْجَوَابُ الَّذِي أَجَابَ بِهِ مُبْتَدِعَةُ الصَّابِئِينَ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ مُبْتَدِعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَاطِلٌ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِل مَا لَا يُحِسُّ بِهِ الْعَبْدُ لَا يَقِرُّ بِهِ أَوْ يُنْكِرُهُ أَوْ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ لَا يُقِرُّ إلَّا بِمَا أَحَسَّهُ هُوَ بِشَيْءٍ مِنْ حَوَاسِّهِ الْخَمْسِ أَوْ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُقِرُّ الْعَبْدُ إلَّا بِمَا أَحَسَّ بِهِ الْعِبَادُ فِي الْجُمْلَةِ، أَوْ بِمَا يُمْكِنُ الْإِحْسَاسُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنْ كَانَ أَرَادُوا الْأَوَّلَ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ عَنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَقَالَاتِ.

حَيْثُ ذَكَرُوا عَنْ السُّمَنِيَّةِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ مِنْ الْعُلُومِ مَا سِوَى الْحِسِّيَّاتِ فَيُنْكِرُونَ الْمُتَوَاتِرَاتِ وَالْمُجَرَّبَاتِ وَالضَّرُورِيَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ لَا تَصِحُّ عَلَى إطْلَاقِهَا عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ فِي مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ مُنَاظَرَةِ الْجَهْمِ لَهُمْ يَدُلُّ عَلَى إقْرَارِهِمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ حَيَاةَ بَنِي آدَمَ وَعَيْشَهُمْ فِي الدُّنْيَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِمُعَاوَنَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي الْأَقْوَالِ أَخْبَارِهَا وَغَيْرِ أَخْبَارِهَا وَفِي الْأَعْمَالِ أَيْضًا فَالرَّجُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>