للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُشَاهَدَةِ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم: ٩٨] .

وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: ٥٢] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالْفِطْرَةِ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ إحْسَاسُهُ لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا لَا وُجُودَ لَهُ، وَالْعَقْلُ هُوَ الَّذِي ضَبَطَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ الْكُلِّيَّ، الَّذِي بَيْنَ أَفْرَادِ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي أَحَسَّهَا، وَالْكُلِّيَّ لَا وُجُودَ لَهُ كُلِّيًّا إلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. فَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ الْفِطْرِيَّةُ هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَمَنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى الْفِطْرَةِ فِيهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ وَغَيْرِهِمْ كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْفِطَرِ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصَّانِعِ، وَأَنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ، وَأَنَّهُمْ حِينَ دُعَائِهِ يَتَوَجَّهُونَ إلَى فَوْقَ بِقُلُوبِهِمْ وَعُيُونِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ.

وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ قَوْلِ جَهْمٍ هُوَ قَوْلُ الْمُبَدِّلِينَ مِنْ الصَّابِئَةِ وَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَانَ الْأَئِمَّةُ يَقُولُونَ إنَّ قَوْلَهُمْ شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَإِنْ كَانُوا خَيْرًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، كَاَلَّذِينَ نَاظَرَهُمْ جَهْمٌ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ يُعَطِّلُ وُجُودَ الصَّانِعِ، أَوْ يُوجِبُ عِبَادَةَ إلَهٍ مَعَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الصَّابِئَةَ لَيْسُوا كَذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يُوجِبُوا الشِّرْكَ فَقَدْ لَا يُحَرِّمُونَهُ، بَلْ يُسَوِّغُونَ التَّوْحِيدَ وَالْإِشْرَاكَ جَمِيعًا، وَيَسْتَحْسِنُونَ عِبَادَةَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَعِبَادَةَ أَهْلِ الْإِشْرَاكِ جَمِيعًا وَلَا يُنْكِرُونَ هَذَا وَلَا هَذَا، كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِهِمْ وَمُصَنَّفَاتِهِمْ لَكِنْ لَيْسَ النَّاسُ فِي التَّجَهُّمِ عَلَى مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ انْقِسَامُهُمْ فِي التَّجَهُّمِ يُشْبِهُ انْقِسَامُهُمْ فِي التَّشَيُّعِ.

فَإِنَّ التَّجَهُّمَ وَالرَّفْضَ هُمَا أَعْظَمُ الْبِدَعِ أَوْ مِنْ أَعْظَمِ الْبِدَعِ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي الْإِسْلَامِ.

وَلِهَذَا كَانَ الزَّنَادِقَةُ الْمَحْضَةُ مِثْلُ الْمَلَاحِدَةِ مِنْ الْقَرَامِطَةِ وَنَحْوِهِمْ إنَّمَا يَتَسَتَّرُونَ بِهَذَيْنِ بِالتَّجَهُّمِ وَالتَّشَيُّعِ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: مَا أُبَالِي أَصْلَيْت خَلْفَ الْجَهْمِيِّ أَوْ الرَّافِضِيِّ، أَوْ صَلَّيْت خَلْفَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>