للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَارَ لَا يَعْرِفُ هَذَا فِي الْعَادَةِ، فَهَذَا أَوْلَى بِسَلْبِ الْإِيمَانِ مِمَّنْ لَا تُؤْمَنُ بَوَائِقُهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ مِثْلَ هَذَا. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] .

فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ لَا يُؤْمِنُونَ، فَاَلَّذِينَ يُحَكِّمُونَهُ وَيَرَوْنَ حُكْمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوا حَرَجًا مِمَّا قَضَى؛ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ غَيْرَهُ أَصَحُّ مِنْهُ، أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ سَدِيدٍ، [أَشَدُّ وَأَعْظَمُ] .

وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢] . فَإِذَا كَانَ بِمُوَادَّةِ الْمُحَادِّ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا، فَأَنْ لَا يَكُونَ مُؤْمِنًا إذَا حَادَّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَكَذَلِكَ إذَا نُهِيَ الرَّجُلُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ؛ لِأَنَّهُمَا طَعَامُ الْجِنِّ وَعَلَفُ دَوَابِّهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ نَهْيَهُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِطَعَامِ الْإِنْسِ وَعَلَفِ دَوَابِّهِمْ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إذَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ مَعَ الْإِمْلَاقِ، فَنَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ الْغِنَى وَالْيَسَارِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

فَالتَّخَصُّصُ بِالذِّكْرِ قَدْ يَكُونُ لِلْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ، فَتَخْصِيصُ الْقَمِيصِ دُونَ الْجِبَابِ، وَالْعَمَائِمِ دُونَ الْقَلَانِسِ، وَالسَّرَاوِيلِ دُونَ التَّبَايُنِ، هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، لَا لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ فَقَدْ أَذِنَ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>