فَيَكُونُ الْمَعْلُومُ لَيْسَ هُوَ غَيْرُ الْمَعْلُومِ وَإِنْ كَانَ لَازِمًا لَهُ لَا يُفَارِقُهُ وَالتَّغَايُرُ بِهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ لِكُلِّ مَوْجُودٍ فَإِنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَعْلَمُ وُجُودَ الْحَقِّ ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَادِرٌ ثُمَّ أَنَّهُ عَالِمٌ ثُمَّ أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ وَكَذَلِكَ رُؤْيَتُهُ تَعَالَى كَالْعِلْمِ بِهِ فَمَنْ نَفَى عَنْهُ وَعَنْ صِفَاتِهِ التَّغَايُرَ وَالتَّبْعِيضَ بِهَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ مُعَطِّلٌ جَاحِدٌ لِلرَّبِّ فَإِنَّ هَذَا التَّغَايُرَ لَا يَنْتَفِي إلَّا عَنْ الْمَعْدُومِ.
وَهَذَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي كِتَابِ بَيَانِ تَلْبِيسِ الْجَهْمِيَّةِ فِي تَأْسِيسِ بِدَعِهِمْ الْكَلَامِيَّةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بَسْطًا بَيِّنًا وَمَنْ عَلِمَ ذَلِكَ زَالَتْ عَنْهُ الشُّبُهَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ، فَقَوْلُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مَا وَصَفَ اللَّهُ مِنْ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ مِنْهُ، وَعِلْمُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ وَلَهُ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا اسْتَعْمَلُوا فِيهِ لَفْظَ مِنْ، وَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَعْنَاهَا التَّبْعِيضُ فَهُوَ تَبْعِيضٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَمَا يُقَالُ إنَّهُ تَغَايُرٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ثُمَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَمْتَنِعُ أَوْ يَنْفِي لَفْظَ التَّغَايُرِ وَالتَّبْعِيضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبَعْضُ النَّاسِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ لَفْظِ التَّغَايُرِ وَيَمْتَنِعُ مِنْ لَفْظِ التَّبْعِيضِ، وَبَعْضُهُمْ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ اللَّفْظَيْنِ إذَا فَسَّرَ الْمَعْنَى وَأُزِيلَتْ عَنْهُ الشُّبْهَةُ وَالْإِجْمَالُ الَّذِي فِي اللَّفْظِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ تَقُولُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا هُمْ مُتَنَاقِضُونَ فِيهِ تَنَاقُضًا مَعْلُومًا بِالْبَدِيهَةِ ثُمَّ إنَّ الَّذِينَ يَنْفُونَ أَنْ لَا يَتَّصِفَ إلَّا بِالْمَعْدُومِ فَيَتَنَاقَضُونَ وَيُعَطِّلُونَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ كَوْنَهُ وَاحِدًا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِفَةٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْكَثْرَةَ وَالْعَدَدِيَّةَ قَالُوا وَيَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ ثُبُوتِ عَدَدٍ وَكَثْرَةٍ فِي وَصْفٍ أَوْ قُدْرَةٍ ثُمَّ إنَّهُمْ يَضْطَرُّونَ إلَى أَنْ يَقُولُوا هُوَ قَدِيمٌ حَقٌّ رَبٌّ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي يُمْكِنُ عِلْمُنَا بِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَالْمَعْلُومُ لَيْسَ هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِمَعْلُومٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَا فَرُّوا مِنْهُ مِمَّا سَمُّوهُ تَعَدُّدًا وَكَثْرَةً وَتَبْعِيضًا وَتَغَايُرًا، فَهَذَا تَنَاقُضُهُمْ ثُمَّ إنْ سَلَبَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ الْمَعْدُومِ وَأَمَّا الْمَوْجُودُ فَإِمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا مُحْدَثٌ وَإِمَّا مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ وَإِمَّا مُمْكِنٌ مُفْتَقِرٌ إلَى غَيْرِهِ وَأَنَّ الْمَوْجُودَ إمَّا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَإِمَّا قَائِمٌ بِغَيْرِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تُمَيَّزُ بِهَا الْمَوْجُودَاتُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ إذْ لِكُلِّ مَوْجُودٍ حَقِيقَةٌ خَاصَّةٌ يُمَيَّزُ بِهَا يُعْلَمُ مِنْهَا شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ وَذَلِكَ هُوَ التَّبْعِيضُ وَالتَّغَايُرُ الَّذِي يُطْلِقُونَ إنْكَارَهُ وَهَذَا أَصْلُ نُفَاةِ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ وَهُمْ كَمَا قَالَ الْأَئِمَّةُ لَا يُثْبِتُونَ شَيْئًا فِي الْحَقِيقَةِ.
وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الَّذِي أَقُولُ إنَّهُ إذَا نَظَرَ إلَى إسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَسَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَجَمِيعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute