للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوُفُودِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَعْرِفْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّينَ وَبِإِعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَدَلَائِلِ الرِّسَالَةِ. لَا مِنْ قِبَلِ حَرَكَةٍ وَلَا سُكُونٍ وَلَا مِنْ بَابِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَلَا مِنْ بَابِ كَانَ وَيَكُونُ وَلَوْ كَانَ النَّظَرُ فِي الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ عَلَيْهِمْ وَاجِبًا وَفِي الْجِسْمِ وَنَفْيِهِ وَالتَّشْبِيهِ وَنَفْيِهِ لَازِمًا مَا أَضَاعُوهُ، وَلَوْ أَضَاعُوا الْوَاجِبَاتِ لَمَا نَطَقَ الْقُرْآنُ بِتَزْكِيَتِهِمْ وَتَقْدِيمِهِمْ وَلَا أَطْنَبَ فِي مَدْحِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِهِمْ مَشْهُورًا وَمِنْ أَخْلَاقِهِمْ مَعْرُوفًا لَاسْتَفَاضَ عَنْهُمْ وَاشْتَهَرُوا بِهِ كَمَا اشْتَهَرُوا بِالْقُرْآنِ وَالرِّوَايَاتِ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» عِنْدَهُمْ مِثْلُ قَوْلِ اللَّهِ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: ١٤٣] وَمِثْلُ قَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: ٢٢] كُلُّهُمْ يَقُولُ يَنْزِلُ وَيَتَجَلَّى وَيَجِيءُ بِلَا كَيْفٍ، وَلَا يَقُولُونَ كَيْفَ يَجِيءُ وَكَيْفَ يَتَجَلَّى وَكَيْفَ يَنْزِلُ، وَفِي قَوْلِهِ {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: ١٤٣] دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتَجَلِّيًا لِلْجَبَلِ، وَفِي مَا يُفَسِّرُ لَك حَدِيثَ التَّنْزِيلِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ عَلَى أَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف: ١٤٣] فَلْيَنْظُرْ فِي تَفْسِيرِ بَقِيٍّ بْنِ مَخْلَدٍ وَتَفْسِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ وَلْيَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَا مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي كِتَابِ أَبْطَالِ التَّأْوِيلَاتِ لِأَخْبَارِ الصِّفَاتِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ الْخَوْلَانِيُّ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخَوِّفَ عِبَادَهُ أَبْدَى عَنْ بَعْضِهِ إلَى الْأَرْضِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تُزَلْزَلُ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُدَمِّرَ عَلَى قَوْمٍ تَجَلَّى لَهَا قَالَ وَرَوَاهُ ابْنُ فُورَكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذَا أَرَادَ أَنْ يُخَوِّفَ أَهْلَ الْأَرْضِ أَبْدَى عَنْ بَعْضِهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُدَمِّرَ عَلَيْهَا تَجَلَّى لَهَا ثُمَّ قَالَ أَمَّا قَوْلُهُ أَبْدَى عَنْ بَعْضِهِ فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الذَّاتِ إذْ لَيْسَ فِي حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مَا يُحِيلُ صِفَاتِهِ وَلَا يُخْرِجُهَا عَمَّا تَسْتَحِقُّ. فَإِنْ قِيلَ بَلْ فِي حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مَا يُحِيلُ صِفَاتِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ بِالْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَالْجُزْءِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى إبْدَاءِ بَعْضِ آيَاتِهِ وَعَلَامَاتِهِ تَحْذِيرًا وَإِنْذَارًا قِيلَ لَا يَمْتَنِعُ إطْلَاقُ هَذِهِ الصِّفَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفْضِي إلَى التَّجْزِئَةِ وَالتَّبْعِيضِ، كَمَا أَطْلَقْنَا تَسْمِيَةَ يَدٍ وَوَجْهٍ لَا عَلَى وَجْهِ التَّجْزِئَةِ وَالتَّبْعِيضِ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْيَدَ فِي الشَّاهِدِ بَعْضُ الْجُمْلَةِ قَالَ: وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُحْمَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>