للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَذَكَرَ أَنَّ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ هُوَ مَا وَصَفَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَنَّ هَذَا الْمَوْصُوفَ مِنْهُ نَظِيرُهُ مِنْهُمْ صَغِيرٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا عَظَمَةَ الَّذِي هُوَ صَغِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَمْ يُذْكَرْ فَكَيْفَ بِعَظَمَةِ مَا لَمْ يَصِفْ مِنْ نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثُمَّ قَالَ: فَمَا وَصَفَ مِنْ نَفْسِهِ فَسَمَّاهُ سَمَّيْنَاهُ كَمَا سَمَّاهُ وَلَمْ تَتَكَلَّفْ مِنْ صِفَةِ مَا سِوَاهُ.

فَذَكَرَ أَنَّا نُسَمِّي وَنَصِفُ مَا سَمَّى وَوَصَفَ مِنْ نَفْسِهِ، وَلَا نَتَكَلَّفُ أَنْ نَصِفَ مِنْهُ مَا سِوَى ذَلِكَ، لَا نَجْحَدُ الْمَوْصُوفَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا نَتَكَلَّفُ مَعْرِفَةَ مَا لَمْ يَصِفْهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَسَائِرُ كَلَامِهِ يُوَافِقُ هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ وَصَفَ مِنْ نَفْسِهِ مَوْصُوفَاتٍ وَسَكَتَ عَمَّا لَمْ يَصِفْهُ مِنْ نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ فَإِنَّ تَكَلُّفَك مَعْرِفَة مَا لَمْ يَصِفْ مِنْ نَفْسِهِ مِثْلُ إنْكَارِك مَا وَصَفَ مِنْهَا، فَكَمَا أَعْظَمْت مَا جَحَدَ الْجَاحِدُونَ مِمَّا وَصَفَ مِنْ نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ أَعْظِمْ تَكَلُّفَ مَا وَصَفَ الْوَاصِفُونَ مِمَّا لَمْ يَصِفْ مِنْهَا.

فَقَدْ وَاَللَّهِ عَزَّ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْمَعْرُوفَ وَبِمَعْرِفَتِهِمْ يُعْرَفُ، وَيُنْكِرُونَ الْمُنْكَرَ، وَبِإِنْكَارِهِمْ يُنْكَرُ وَيَسْمَعُونَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِهِ وَمَا يُبَلِّغُهُمْ مِثْلُهُ عَنْ نَبِيِّهِ فَمَا مَرِضَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا وَتَسْمِيَتَهُ مِنْ الرَّبِّ قَلْبُ مُسْلِمٍ، وَلَا تَكَلَّفَ صِفَةَ قَدْرِهِ وَلَا تَسْمِيَةَ غَيْرِهِ مِنْ الرَّبِّ قَلْبٌ مُؤْمِنٌ.

قَوْلُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَسْمَعُونَ مَا وَصَفَ الرَّبُّ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِهِ، فَاَللَّهُ قَالَ هُنَا مَا وَصَفَ الرَّبُّ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ هَذَا وَفِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ يَقُولُ مَا وَصَفَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ هُنَا قَالَ يَسْمَعُونَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُذْكَرَ الْكَلَامُ الَّذِي وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ، وَالْمَسْمُوعُ يَتَضَمَّنُ مَا وَصَفَهُ مِنْ نَفْسِهِ، فَلِهَذَا قَالَ يَسْمَعُونَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ هَذَا وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ فَمَا وَصَفَ مِنْ نَفْسِهِ فَسَمَّاهُ سَمَّيْنَاهُ كَمَا سَمَّاهُ، أَرَادَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ وَبَيَّنَهُ وَوَصَفَهُ وَهُوَ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ وَسَمَّاهُ، وَذَلِكَ يَعْلَمُ وَيُعْرَفُ وَيُذْكَرُ وَلَا يُسْمَعُ إلَّا إذَا وُصِفَ وَذُكِرَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْمَوْصُوفَاتِ الَّتِي وَصَفَهَا اللَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يُوصَفُ بِهَا أَيْضًا فَهِيَ مَوْصُوفَةٌ بِاعْتِبَارٍ وَالرَّبُّ يُوصَفُ بِهَا بِاعْتِبَارٍ.

وَذَكَرَ أَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ لَهُ قَالَ وَفِيمَا أَجَازَنِي جَدِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ مِنْ كِتَابِهِ بِصِفَاتٍ اسْتَغْنَى الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَنْ أَنْ يَصِفُوهُ بِغَيْرِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَأَجَلَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَإِنَّمَا فَسَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْنَى إرَادَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>