أَهْلِ الْإِثْبَاتِ مِنْ التَّحْرِيفِ، كَقَوْلِهِمْ إنَّ اللَّهَ هُوَ الْقُرْآنُ أَوْ إنَّ الْقُرْآنَ بَعْضُهُ
وذكر أَنْ مُحَمَّد بْن شُجَاع إمَام الْوَاقِف هُوَ وَأَصْحَابه الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَلَا غَيْرُ مَخْلُوقٍ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُحْدَثٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ مَخْلُوقٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ إلَّا فِي اللَّفْظِ، وَقَدْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ، يَقُولُونَ هُوَ مُحْدَثٌ مَجْعُولٌ وَلَا يَقُولُونَ هُوَ مَخْلُوقٌ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لَفْظَ الْخَلْقِ يَحْتَمِلُ الْمُفْتَرِيَ، وَهُمْ فِي الْمَعْنَى مُوَافِقُونَ لِأَصْحَابِ الْمَخْلُوقِ.
وَقَدْ وَافَقَهُمْ عَلَى التَّرَادُفِ طَوَائِفُ الْكِلَابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ، يَقُولُونَ الْمُحْدَثُ هُوَ الْمَخْلُوقُ فِي غَيْرِهِ لَا يُسَمُّونَ مُحْدَثًا إلَّا مَا كَانَ كَذَلِكَ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُحْدَثٌ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنَّهُ مَخْلُوقٌ وَلَزِمَهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِلْإِنْكَارِ عَلَى دَاوُد الْأَصْبَهَانِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَالَ إنَّهُ مُحْدَثٌ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ دَاوُد وَأَبُو مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمَا لَمْ يُرِيدُوا بِقَوْلِهِمْ أَنَّهُ مُحْدَثٌ أَنَّهُ بَائِنٌ عَنْ اللَّهِ كَمَا يُرِيدُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ مَخْلُوقٌ، بَلْ ذَهَبَ دَاوُد وَغَيْرُهُ مِمَّنْ قَالَ إنَّهُ مُحْدَثٌ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ، وَأَنَّهُ قَائِمٌ بِذَاتِهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ مُسْتَنَدُ دَاوُد فِي قَوْلِهِ لِعَبْدِ اللَّهِ أُحِبُّ أَنْ تَعْذُرَ بِي عِنْدَهُ، وَتَقُولَ لَهُ لَيْسَ هَذَا مَقَالَتِي أَوْ لَيْسَ كَمَا قِيلَ لَك، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَصَدَ بِذَلِكَ أَنِّي لَا أَقُولُ إنَّهُ مُحْدَثٌ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَهِمُوهُ وَأَفْهَمُوهُ وَهُوَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبِي، وَلَمْ يَقْبَلْ أَحْمَدُ قَوْلَهُ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُنْكَرٌ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ لَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِأَنَّهُ أَنْكَرَ مُطْلَقًا فَلَمْ يَقْرَبَا لِلَّفْظِ الَّذِي قَالَهُ وَقَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ أَظْهَرَ مَعَ هَذِهِ الْبِدْعَةِ بِدْعَةً أُخْرَى وَهِيَ إبَاحَةُ التَّحْلِيلِ وَهُوَ مَذْهَبُهُ.
وَأَهْلُ الْحَدِيثِ لَمْ يَكُونُوا يَتَنَازَعُونَ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّابِعِينَ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، كَمَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْحَاكِمَ، سَمِعْت يَحْيَى بْنَ مَنْصُورٍ الْقَاضِي يَقُولُ سَمِعْت خَالِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْجَارُودِ يَقُولُ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَدَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فَقَامَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ النَّاسُ ثُمَّ قَالَ لِبَنِيهِ وَأَصْحَابِهِ اذْهَبُوا إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَاكْتُبُوا عَنْهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute