وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي لَفْظِ الْمُحْدَثِ هَلْ هُوَ مُرَادِفٌ لِلَّفْظِ الْمَخْلُوقِ أَمْ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، قَالَ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ، لَمَّا ذَكَرَ النِّزَاعَ فِي الْخَلْقِ وَالْكَسْبِ وَالْفِعْلِ قَالَ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى مَخْلُوقٍ مَعْنَى مُحْدَثٍ، وَمَعْنَى مُحْدَثٍ مَعْنَى مَخْلُوقٍ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدِي وَإِلَيْهِ أَذْهَبُ وَبِهِ أَقُولُ.
وَقَالَ زُهَيْرٌ الْأَبَرِيُّ وَأَبُو مُعَاذٍ التُّومُنِيُّ مَعْنَى مَخْلُوقٍ أَنَّهُ وَقَعَ عَنْ إرَادَةٍ مِنْ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ لَهُ كُنْ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ بِذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو الْهُذَيْلِ وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ مَعْنَى الْمَخْلُوقِ أَنَّ لَهُ خَلْقًا، وَلَمْ يَجْعَلُوا الْخَلْقَ قَوْلًا عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْهُمْ أَبُو مُوسَى وَبِشْرُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْمُحْدَثِ هُوَ اصْطِلَاحُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ حَدَثٍ وَمُحْدَثٍ كَمَا حَكَى الْقَوْلَيْنِ الْأَشْعَرِيُّ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ فِي أَثْنَاءِ أَبْوَابِ الْقُرْآنِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَلَائِقِ وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ وَأَمْرُهُ فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَكَلَامِهِ هُوَ الْخَالِقُ الْمُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ وَأَمْرُهُ وَتَخْلِيقُهُ وَتَكْوِينُهُ فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: ٢٣] وَلَمْ يَقُلْ مَاذَا خَلَقَ رَبُّكُمْ وَقَالَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥] .
وَقَالَ مَسْرُوقٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ شَيْئًا، حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، وَنَادَوْا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ، قَالَ: وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ» .
ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَلَغَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَضَى اللَّهُ الْأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى الصَّفْوَانِ حَتَّى إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute