فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا: الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَبْوَابٍ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: ٢٩] ، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: ٢] ، وَقَوْلُهُ، {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] وَإِنَّ حَدَثَهُ لَا يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ، لِقَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ» . وَرَوَى أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاَللَّهِ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يَشُكَّ فِيهِ.
وَرُوِيَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي، عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ أَحْدَثُ الْأَخْبَارِ بِاَللَّهِ مَحْضًا لَمْ يَشُكَّ فِيهِ، وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَغَيَّرُوا فَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكُتُبَ، وَقَالُوا هُوَ مِنْ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلًا أَوَ لَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ، فَلَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكُمْ.
وَاَلَّذِي كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي يَعْلَمُ الْمُسْلِمُونَ، أَنَّهُ الْقُرْآنُ وَالْقُرْآنُ وَسَائِرُ الْكَلَامِ لَهُ حُرُوفٌ وَمَعَانٍ فَلَيْسَ الْكَلَامُ وَلَا الْقُرْآنُ إذَا أُطْلِقَ اسْمًا لِمُجَرَّدِ الْحُرُوفِ وَلَا أَسْمَاءً لِمُجَرَّدِ الْمَعَانِي، بَلْ الْكَلَامُ اسْمٌ لِلْحُرُوفِ وَالْمَعَانِي جَمِيعًا فَنَشَأَ بَعْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِمَّنْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلسَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ عَلَى إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ طَائِفَتَانِ.
طَائِفَةٌ قَالَتْ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ إلَّا مُجَرَّدَ مَعْنًى قَائِمٍ بِالنَّفْسِ وَحُرُوفُ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَلَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهَا وَلَا يَتَكَلَّمُ اللَّهُ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ، وَ " الم " وَ " طس " وَ " ن " وَغَيْرِ ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ الَّذِي تَكَلَّمَ هُوَ بِهِ، وَلَكِنْ خَلَقَهَا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ خَلَقَهَا فِي الْهَوَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ خَلَقَهَا مَكْتُوبَةً فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ جِبْرِيلُ هُوَ الَّذِي أَحْدَثَهَا وَصَنَّفَهَا بِأَقْدَارِ اللَّهِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا هُوَ الَّذِي أَحْدَثَهَا وَصَنَّفَهَا بِأَقْدَارِ اللَّهِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ وَافَقُوا الْجَهْمِيَّةَ فِي نَفْيِهِمْ عَنْ اللَّهِ مِنْ الْكَلَامِ مَا نَفَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ، وَفِي أَنَّهُمْ جَعَلُوا هَذَا مَخْلُوقًا كَمَا جَعَلَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ مَخْلُوقًا، لَكِنْ فَارَقُوهُمْ فِي أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا مَعْنَى الْقُرْآنِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ، وَقَالُوا إنَّ كَلَامَ اللَّهِ اسْمٌ لِمَا يَقُومُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute