أُخْرَى لَيْسَتْ هِيَ الْعُلُومُ وَالْإِرَادَاتُ فَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى حَقِيقَةً غَيْرَ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ لَيْسَتْ حَقِيقَتُهُ تَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ.
وَالنِّزَاعُ الثَّانِي: أَنَّ مُسَمَّى الْكَلَامِ هَلْ هُوَ الْمَعْنَى أَوْ هُوَ اللَّفْظُ فَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَيَقُولُونَ الْكَلَامُ هُوَ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ هُمْ وَإِنْ وَافَقُوا الْمُعْتَزِلَةَ فِي مُسَمَّى الْكَلَامِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ أَوْ أَمْرًا آخَر قَائِمًا بِذَاتِ اللَّهِ وَالْجَهْمِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرُهُمْ نَحْوَهُمْ لَا تُثْبِتُ مَعْنَى قَائِمًا بِذَاتِ اللَّهِ بَلْ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إنَّ الْكَلَامَ الَّذِي هُوَ الْحُرُوفُ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ أَيْضًا فَمُوَافَقَةُ هَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ أَقَلُّ مِنْ مُوَافَقَةِ الْأَوَّلِينَ بِكَثِيرٍ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا أَنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِلْحُرُوفِ وَالْمَعَانِي جَمِيعًا فَاللَّفْظُ وَالْمَعْنَى دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْكَلَامِ وَالْأَقْوَالُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْكَلَامَ حَقِيقَةٌ فِي اللَّفْظِ مَجَازٌ فِي الْمَعْنَى كَمَا تَقُولُهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَى مَجَازٌ فِي اللَّفْظِ كَمَا يَقُولُهُ جُمْهُورُ الْأَوَّلِينَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا كَمَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ احْتَاجَ إلَى قَرِينَةٍ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ. وَقَدْ يَحْكِي الْأَوَّلُونَ عَنْ الْآخَرِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَإِنَّ الْقَدِيمَ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ هُوَ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ الْقَائِمَةُ بِالْمَخْلُوقَاتِ وَهِيَ أَصْوَاتُ الْعِبَادِ وَمِدَادُ الْمَصَاحِفِ فَيَحْكُونَ عَنْهُمْ أَنَّ نَفْسَ صَوْتِ الْعَبْدِ وَنَفْسِ الْمِدَادِ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ فَسَادَهُ بِالْحِسِّ وَالِاضْطِرَارِ وَمَا وَجَدْت أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَعْرُوفِينَ يُقِرُّ بِذَلِكَ بَلْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَلَكِنْ قَدْ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي بَعْضِ الْجُهَّالِ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْجِبَالِ وَنَحْوِهِ وَإِنْكَارُ ذَلِكَ مَأْثُورٌ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ قَالَ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم فَأَمَّا الْأَوْعِيَةُ فَمَنْ شَكَّ فِي خَلْقِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: ٢] {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: ٣] .
وَقَالَ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} [البروج: ٢١] {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: ٢٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute