للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَحْيَةُ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدَانَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ الْوَرَقُ وَالْمِدَادُ مَخْلُوقٌ فَأَمَّا الْقُرْآنُ فَلَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ وَلَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَلَكِنَّ مِنْهُمْ طَائِفَةً يَقُولُونَ إنَّ لَفْظَهُمْ بِالْقُرْآنِ أَوْ الصَّوْتِ الْمَسْمُوعِ مِنْهُمْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ أَوْ أَنَّهُ يُسْمَعُ مِنْهُمْ الصَّوْتُ الْمَخْلُوقُ وَالصَّوْتُ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ لَكِنْ هَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ أَئِمَّتُهُمْ وَجَمَاهِيرُهُمْ.

وَالْآخَرُونَ يَحْكُونَ عَنْ الْأَوَّلِينَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ كَلَامٌ وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي يَقْرَأهُ الْمُسْلِمُونَ لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ كَلَامٌ وَإِنَّمَا هَذَا حِكَايَةٌ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ وَهَؤُلَاءِ صَادِقُونَ فِي هَذَا النَّقْلِ فَإِنَّ هَذَا قَوْلُ الْأَوَّلِينَ وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَ فِي الْإِسْلَامِ الْقَوْلَ بِالْحِكَايَةِ وَالْعِبَارَةِ وَهِيَ الْبِدْعَةُ الَّتِي أَضَافَهَا الْمُسْلِمُونَ إلَى ابْنِ كِلَابٍ وَالْأَشْعَرِيِّ فَإِنَّ ابْنَ كِلَابٍ قَالَ الْحُرُوفُ حِكَايَةٌ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ وَلَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِالْمُتَكَلِّمِ وَاَللَّهُ يُمْتَنَعُ أَنْ يَقُومَ بِهِ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ فَوَافَقَ الْجَهْمِيَّةَ وَالْمُعْتَزِلَةَ فِي هَذَا النَّفْيِ فَجَاءَ الْأَشْعَرِيُّ بَعْدَهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِابْنِ كِلَابٍ عَلَى عَامَّةِ أُصُولِهِ فَقَالَ الْحِكَايَةُ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِثْلَ الْمَحْكِيِّ وَلَيْسَ الْحُرُوفُ مِثْلَ الْمَعْنَى بَلْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى وَدَالَّةٌ عَلَيْهِ وَهُمْ وَأَتْبَاعُهُمْ يَقُولُونَ إنَّ تَسْمِيَةَ ذَلِكَ كَلَامًا لِلَّهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً وَيُطْلِقُونَ الْقَوْلَ الْحَقِيقِيَّ بِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَ اللَّهِ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالُوا إنَّ الْحُرُوفَ تُسَمَّى كَلَامًا مَجَازًا أَوْ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَعَانِي لِأَنَّهَا وَإِنْ سُمِّيَتْ كَلَامًا بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ فَالْكَلَامُ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ الْجَمَاعَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِالْمُتَكَلِّمِ فَيَصِحُّ عَلَى أَحَدِ قَوْلِهِمْ أَنْ تَكُونَ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ كَلَامًا لِلْعِبَادِ حَقِيقَةً لِقِيَامِهَا بِهِمْ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ كَلَامًا لِلَّهِ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا لَا تَقُومُ بِهِ عِنْدَهُمْ بِحَالٍ فَلَوْ قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّ الْحُرُوفَ الَّتِي يَخْلُقُهَا اللَّهُ فِي الْهَوَاءِ تُسَمَّى كَلَامًا لَهُ حَقِيقَةً أَوْ إنَّ مَا يُسْمَعُ مِنْ الْعِبَادِ أَوْ يُوجَدُ فِي الْمَصَاحِفِ يُسَمَّى كَلَامَ اللَّهِ حَقِيقَةً لَلَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَ مُسَمَّى الْكَلَامِ مَا لَا يَقُومُ بِالْمُتَكَلِّمِ بَلْ يَكُونُ دَلَالَةً عَلَى مَا يَقُومُ الْمُتَكَلِّمُ وَإِنْ كَانَ مَخْلُوقًا لَهُ وَهَذَا مَا وَجَدْته لَهُمْ وَهُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يُقَالَ لَكِنْ مَتَى قَالُوهُ انْتَقَضَ عَلَيْهِمْ عَامَّةُ الْحُجَجِ الَّتِي أَبْطَلُوا بِهَا مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَيْهِمْ وَصَارَ لِلْمُعْتَزِلَةِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ.

وَقَدْ يَحْكِي الْآخَرُونَ عَنْ الْأَوَّلِينَ أَنَّهُمْ يَسْتَهِينُونَ بِالْمَصَاحِفِ فَيَطَئُونَهَا وَيَنَامُونَ عَلَيْهَا وَيَجْعَلُونَهَا مَعَ نِعَالِهِمْ وَرُبَّمَا كَتَبُوا الْقُرْآنَ بِالْعَذِرَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ أَفْعَالِ الْمُنَافِقِينَ الْمُلْحِدِينَ وَهَذَا يُوجَدُ فِي أَهْلِ الْجَفَاءِ وَالْغُلُوِّ مِنْهُمْ لِمَا أَلْقَى إلَيْهِمْ أَئِمَّتُهُمْ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>