وَأَمَّا الْجُهَّالُ بِنِفَاقِ أَنْفُسِهِمْ صَارُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ تَكْذِيبِهِمْ الْبَاطِنِ وَتَصْدِيقِهِمْ الظَّاهِرِ جَامِعِينَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ مُضْطَرِّينَ إلَى السَّفْسَطَةِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالْقَرَامِطَةِ فِي السَّمْعِيَّاتِ مُفْسِدِينَ لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ وَقَوْلُهُمْ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَنَفْيِ الصِّفَاتِ مِنْ أُصُولِ نِفَاقِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ بِبِدَايَةِ الْعُقُولِ أَنَّ الْحَيَّ لَا يَكُونُ حَيًّا إلَّا بِحَيَاةٍ تَقُومُ بِهِ وَلَا يَكُونُ حَيًّا بِلَا حَيَاةٍ أَوْ بِحَيَاةٍ تَقُومُ بِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ الْعَالِمُ وَالْقَادِرُ لَا يَكُونُ عَالِمًا قَادِرًا إلَّا بِعِلْمٍ وَقُدْرَةٍ تَقُومُ بِهِ وَلَا يَكُونُ عَالِمًا قَادِرًا بِلَا عِلْمٍ وَلَا قُدْرَةٍ أَوْ بِعِلْمٍ وَقُدْرَةٍ تَقُومُ بِغَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ الْحَكِيمُ وَالرَّحِيمُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُرِيدُ لَا يَكُونُ حَكِيمًا وَلَا رَحِيمًا أَوْ مُتَكَلِّمًا أَوْ مُرِيدًا إلَّا بِحِكْمَةٍ وَرَحْمَةٍ أَوْ كَلَامٍ وَإِرَادَةٍ تَقُومُ بِهِ وَلَا يَكُونُ حَكِيمًا بِلَا حِكْمَةٍ وَلَا رَحِيمًا بِلَا رَحْمَةٍ أَوْ بِحِكْمَةٍ وَرَحْمَةٍ تَقُومُ بِغَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ مُتَكَلِّمًا وَلَا مُرِيدًا بِلَا كَلَامٍ وَلَا إرَادَةٍ أَوْ بِكَلَامٍ وَإِرَادَةٍ تَقُومُ بِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُومِ بِبِدَايَةِ الْعُقُولِ أَنَّ الْكَلَامَ وَالْإِرَادَةَ وَالْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ لَا تَقُومُ إلَّا بِمَحِلٍّ إذْ هَذِهِ صِفَاتٌ لَا تَقُومُ بِأَنْفُسِهَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِبِدَايَةِ الْعُقُولِ أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْعِلْمُ يَكُونُ عَالِمًا وَاَلَّذِي تَقُومُ بِهِ الْقُدْرَةُ يَكُونُ قَادِرًا وَاَلَّذِي يَقُومُ بِهِ الْكَلَامُ يَكُونُ مُتَكَلِّمًا وَاَلَّذِي تَقُومُ بِهِ الرَّحْمَةُ يَكُونُ رَحِيمًا وَاَلَّذِي تَقُومُ بِهِ الْإِرَادَةُ يَكُونُ مُرِيدًا فَهَذِهِ الْأُمُورُ مُسْتَقِرَّةٌ فِي فِطْرِ النَّاسِ تَعْلَمُهَا قُلُوبُهُمْ عِلْمًا فِطْرِيًّا ضَرُورِيًّا وَالْأَلْفَاظُ الْمُعَبِّرَةُ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ مِنْ اللُّغَاتِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا بَنُو آدَمَ فَلَا يُسَمُّونَ عَالِمًا قَادِرًا إلَّا مَنْ قَامَ بِهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَمَنْ قَامَ بِهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ سَمُّوهُ عَالِمًا قَادِرًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ إنَّ الصِّفَةَ إذَا قُدِّمَتْ بِمَحَلٍّ عَادَ حُكْمُهَا عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ دُونَ غَيْرِهِ أَيْ إذَا قَامَ الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ بِمَحَلٍّ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ هُوَ الْعَالِمُ الْمُتَكَلِّمُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ الصِّفَةَ إذَا قَامَتْ بِمَحِلٍّ اُشْتُقَّ لَهُ مِنْهَا اسْمٌ كَمَا يُشْتَقُّ لِمَحَلِّ الْعِلْمِ عَلِيمٌ وَلِمَحِلِّ الْكَلَامِ مُتَكَلِّمٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ أَنَّ صِدْقَ الْمُشْتَقِّ لَا يَنْفَكُّ عَنْ صِدْقِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ أَيْ أَنَّ لَفْظَ الْعَلِيمِ وَالْمُتَكَلِّمِ مُشْتَقٌّ مِنْ لَفْظِ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ فَإِذَا صَدَقَ عَلَى الْمَوْصُوفِ أَنَّهُ عَلِيمٌ لَزِمَ أَنْ يَصْدُقَ حُصُولُ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ لَهُ وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ الَّذِينَ عَرَفُوا حَقِيقَةَ قَوْلِ مَنْ قَالَ مَخْلُوقٌ وَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَقُمْ بِهِ كَلَامٌ بَلْ الْكَلَامُ قَامَ بِجِسْمٍ مِنْ الْأَجْسَامِ غَيْرِهِ وَعَلِمُوا أَنَّ هَذَا يُوجِبُ بِالْفِطْرَةِ الضَّرُورِيَّةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْجِسْمُ هُوَ الْمُتَكَلِّمَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ دُونَ اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَكُونُ مُتَكَلِّمًا أَصْلًا وَصَارُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute