للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَذْكُرُونَ قَوْلَهُمْ بِحَسَبِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ وَإِنَّمَا خَلَقَ شَيْئًا تَكَلَّمَ عَنْهُ وَهَكَذَا كَانَتْ الْجَهْمِيَّةُ تَقُولُ أَوَّلًا ثُمَّ أَنَّهَا زَعَمَتْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مَنْ فَعَلَ الْكَلَامَ وَلَوْ فِي غَيْرِهِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عَلَى قَوْلَيْنِ فَلَهُمْ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَكَلِّمًا بِالْكَلَامِ الْمَخْلُوقِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ وَهُمْ فِيهِ أَصْدَقُ لِإِظْهَارِهِمْ كُفْرِهِمْ أَنَّ اللَّهَ لَا تَكَلَّمَ وَلَا يَتَكَلَّمُ.

وَالثَّانِي: وَهُمْ فِيهِ مُتَوَسِّطُونَ فِيهِ النِّفَاقُ أَنَّهُ يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ.

وَالثَّالِثُ: وَهُمْ فِيهِ مُنَافِقُونَ نِفَاقًا مَحْضًا أَنَّهُ يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَأَسَاسُ النِّفَاقِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فَلِهَذَا كَانُوا مِنْ أَكْذَبِ النَّاسِ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ لَيْسَ قَائِمًا بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَخْلُوقٌ فِي غَيْرِهِ كَمَا كَانُوا كَاذِبِينَ مُفْتَرِينَ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ عَالِمًا قَادِرًا مُرِيدًا مُتَكَلِّمًا بِلَا عِلْمٍ يَقُومُ بِهِ وَلَا قُدْرَةٍ وَلَا إرَادَةٍ وَلَا كَلَامٍ فَكَانُوا وَإِنْ نَطَقُوا بِأَسْمَائِهِ فَهُمْ كَاذِبُونَ بِتَسْمِيَتِهِ بِهَا وَهُمْ مُلْحِدُونَ فِي الْحَقِيقَةِ كَإِلْحَادِ الَّذِينَ نَفْوًا عَنْهُ أَنْ يُسَمَّى بِالرَّحْمَنِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: ٦٠] وَبِذَلِكَ وَصَفَهُمْ الْأَئِمَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ خَبِرَ مَقَالَاتِهِمْ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا خَرَّجَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَنْ تَعْبُدُونَ قَالُوا: نَعْبُدُ مَنْ يُدَبِّرُ أَمْرَ هَذَا الْخَلْقِ. قُلْنَا:

فَهَذَا الَّذِي يُدَبِّرُ أَمْرَ هَذَا الْخَلْقِ هُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِصِفَةٍ قَالُوا نَعَمْ قُلْنَا قَدْ عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّكُمْ لَا تُثْبِتُونَ شَيْئًا إنَّمَا تَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ الشُّنْعَةَ بِمَا تُظْهِرُونَ وَقُلْنَا، لَهُمْ: هَذَا الَّذِي يُدَبِّرُ هُوَ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى، قَالُوا: لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بِجَارِحَةٍ وَالْجَوَارِحُ عَنْ اللَّهِ مَنْفِيَّةٌ فَإِذَا سَمِعَ الْجَاهِلُ قَوْلَهُمْ يَظُنُّ أَنَّهُمْ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَقُودُونَ بِقَوْلِهِمْ إلَى ضَلَالَةٍ وَكُفْرٍ.

وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بَيَانُ مَا أَنْكَرَتْ الْجَهْمِيَّةُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ كَلَّمَ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ قُلْنَا لِمَ أَنْكَرْتُمْ ذَلِكَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يَتَكَلَّمُ إنَّمَا كَوَّنَ شَيْئًا فَعَبَّرَ عَنْ اللَّهِ وَخَلَقَ صَوْتًا فَسُمِعَ وَزَعَمُوا أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ جَوْفٍ وَفَمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>