للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَقْصُودُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمُسْتَقِرِّ فِي الْمَعْقُولِ وَالْمَسْمُوعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ مَعَ أَنَّ الْحَيَّ الْعَالِمَ الْقَادِرَ الْمُتَكَلِّمَ الْمُرِيدَ لَا بُدَّ أَنْ تَقُومَ بِهِ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْكَلَامُ وَالْإِرَادَةُ وَإِنَّ مَا قَامَ بِهِ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ مُتَكَلِّمٌ مُرِيدٌ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ ثُبُوتُ حُكْمِ الصِّفَةِ لِمَحِلِّهَا وَانْتِفَاؤُهُ عَنْ غَيْرِ مَحِلِّهَا وَثُبُوتُ الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنْ اسْمِهَا لِمَحَلِّهَا وَانْتِفَاءُ الِاسْمِ عَنْ غَيْرِ مَحِلِّهَا وَالْجَهْمِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرُهُمْ خَالَفُوا ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: زَعْمُهُمْ أَنَّ اللَّهَ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ بِهِ حَيَاةٌ وَلَا عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ فَأَثْبَتُوا الْأَسْمَاءَ وَالْأَحْكَامَ مَعَ نَفْيِ الصِّفَاتِ.

الثَّانِي: أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ أَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ الْجِسْمُ الَّذِي قَامَ بِهِ الْكَلَامَ مُتَكَلِّمًا بِهِ فَأَثْبَتُوا الِاسْمَ وَالْحُكْمَ بِدُونِ الصِّفَةِ وَنَفَوْا الِاسْمَ وَالْحُكْمَ عَنْ مَوْضِعِ الصِّفَةِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا مُتَكَلِّمًا إلَّا مَنْ لَهُ كَلَامٌ وَجَعَلُوا هُنَاكَ عَالِمًا قَادِرًا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ.

الثَّالِثُ: أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ مَا قَالُوهُ فِي الْإِرَادَةِ تَارَةً يَنْفُونَهَا وَتَارَةً يَقُولُونَ هُوَ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ لَا فِي مَحَلٍّ فَأَثْبَتُوا الِاسْمَ وَالْحُكْمَ بِدُونِ الصِّفَةِ وَجَعَلُوا الصِّفَةَ تَقُومُ بِغَيْرِ مَحَلٍّ وَكُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ مِمَّا يُعْلَمُ بِبِدَايَةِ الْعَقْلِ وَبِمَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعِبَادَ بِالْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَهُوَ مِنْ النِّفَاقِ لَكِنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحُجَّةٍ أَلْزَمَهَا لَهُمْ الْكِلَابِيَّةُ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَهُوَ الصِّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ مِثْلُ كَوْنِهِ خَالِقًا رَازِقًا عَادِلًا مُحَيِّيًا مُمِيتًا وَتُسَمَّى صِفَةَ التَّكْوِينِ وَتُسَمَّى الْخَالِقَ وَتُسَمَّى صِفَةَ الْفِعْلِ وَتُسَمَّى التَّأْثِيرَ فَقَالُوا هُوَ خَالِقٌ فَاعِلٌ مُكَوِّنٌ عَادِلٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ بِهِ خَلْقٌ وَلَا تَكْوِينٌ وَلَا فِعْلٌ وَلَا تَأْثِيرٌ وَلَا عَدْلٌ فَكَذَلِكَ الْمُتَكَلِّمُ وَالْمُرِيدُ وَقَالُوا إنَّ الْخَلْقَ هُوَ نَفْسُ الْمَخْلُوقِ وَاتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْكِلَابِيَّةُ وَالْأَشْعَرِيَّةِ فَصَارَ لِلْأَوَّلِينَ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا قَرَنَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنْ قُلْنَا إنَّ التَّكْوِينَ قَدِيمٌ لَزِمَ قِدْمُ الْمُكَوَّنَاتِ وَالْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا وَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالْحِسِّ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مُحْدَثٌ لَزِمَ قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِهِ.

وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَالصُّوفِيَّةِ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ الرَّادِّينَ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ الْمُرْجِئَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فَيَطْرُدُونَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَيَقُولُونَ لَا يَكُونُ فَاعِلًا إلَّا بِفِعْلٍ يَقُومُ بِذَاتِهِ وَتَكْوِينٌ يَقُومُ بِذَاتِهِ وَالْخَلْقُ الَّذِي يَقُومُ بِذَاتِهِ غَيْرُ الْخَلْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>