للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي هُوَ الْمَخْلُوقُ وَهَذَا هُوَ ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي كُتُبِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ كَالطَّحَاوِيِّ وَأَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَكَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَكَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ أَحْمَدَ كَأَبِي إِسْحَاقَ وَأَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ لَكِنَّ الْقَاضِي ذَكَرَ فِي الْخَلْقِ هَلْ هُوَ الْمَخْلُوقُ أَوْ غَيْرُهُ قَوْلَيْنِ وَلَكِنْ اسْتَقَرَّ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الْخَلْقَ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ وَإِنْ خَالَفَهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَكَمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْكَلَابَاذِيُّ فِي كِتَابِ اعْتِقَادِ الصُّوفِيَّةِ وَكَمَا ذَكَرَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ الصَّحِيحِ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَالزَّنَادِقَةِ بَابَ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْخَلَائِقِ وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ وَأَمْرُهُ فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلُهُ وَأَمْرُهُ وَكَلَامُهُ هُوَ الْخَالِقُ الْمُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرُهُ وَتَخْلِيقُهُ وَتَكْوِينَهُ فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوِّنٌ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ هُوَ الْحَقُّ.

فَإِنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْحُجَّةِ أَنَّ الْعَالِمَ الْقَادِرَ الْمُتَكَلِّمَ الْمُرِيدَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَنْ يَقُومَ بِهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْكَلَامُ وَالْإِرَادَةُ هُوَ بِعَيْنِهِ يُقَالُ فِي الْخَالِقِ وَالْفَاعِلِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ بِبِدَايَةِ الْعُقُولِ وَضَرُورَتِهَا أَنَّ الصَّانِعَ الْفَاعِلَ لَا يَكُونُ صَانِعًا فَاعِلًا إلَّا أَنْ يَقُومَ بِهِ مَا يَكُونُ بِهِ فَاعِلًا صَانِعًا وَلَا يُسَمَّى الْفَاعِلُ فَاعِلًا كَالضَّارِبِ وَالْقَاتِلِ وَالْمُحْسِنِ وَالْمُطْعِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا إذَا قَامَ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الِاسْمُ وَلَكِنَّ الْجَهْمِيَّةَ نَفَتْ هَذَا كُلُّهُ وَفُرُوخُهُمْ وَافَقَتْهُمْ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَأَمَّا أَهْلُ الْإِثْبَاتِ فَبَاقُونَ عَلَى الْفِطْرَةِ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ وَكَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ وَصَفَ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِأَفْعَالِهِ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْكَلَامِ وَمِنْ ذَلِكَ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالنُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِ وَلَكِنْ هُنَا أَخْبَرَ بِأَفْعَالِهِ وَهُنَاكَ ذَكَرَ أَسْمَاءَهُ الْمُتَضَمَّنَةَ لِلْأَفْعَالِ وَلَمْ يُفَرِّقُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ بَيْنَ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ وَأَسْمَاءِ الْكَلَامِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ إنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ فَذَكَرَ مَسَائِلَهُ وَمِنْهَا قَالَ وَقَوْلُهُ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٩٦] {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: ١٥٨] {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ١٣٤] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقَوْلُهُ {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٩٦] سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>