أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَلَا قَالُوا أَيْضًا إنَّهُ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِهِ بَلْ كِلَاهُمَا بِدْعَةٌ وَأَنَّ لَيْسَ فِي كَلَامِي شَيْءٌ مِنْ الْبِدَعِ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ مَعَ ذَلِكَ قَدِيمٌ غَيْرُ حَادِثٍ لِمُوَافَقَتِهِمْ الطَّائِفَةَ الْأُولَى عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ إنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، إنَّهُ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ قَطُّ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ بَلْ يَقُولُ هُوَ وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدَ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ وَهُوَ قَائِمٌ بِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَإِنَّهُ إذَا شَاءَ تَكَلَّمَ بِذَلِكَ وَإِذَا شَاءَ سَكَتَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ.
وَظَنَّ الْمُوَافِقُونَ لِلسَّلَفِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ إلَّا مَعْنًى فِي النَّفْسِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ أَنَّهُ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.
وَهَذَا اعْتَقَدُوهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ الْمُضَافَةِ إلَى اللَّهِ أَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ مَخْلُوقَةً مُنْفَصِلَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً غَيْرَ مُتَعَلِّقَةٍ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَنَعُوا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ أَوْ إنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ أَوْ إنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْكَلَامِ أَوْ التَّكَلُّمِ أَوْ إنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ أَوْ إنَّهُ إنْ شَاءَ تَكَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ أَوْ إنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ وَالسُّكُوتِ كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَحْيَا إذَا شَاءَ أَوْ إنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْيَا وَعَلَى أَنْ لَا يَحْيَا إنَّ الْحَيَاةَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ إلَّا حَيًّا قَيُّومًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا فَاعْتَقَدَ هَؤُلَاءِ فِي الْكَلَامِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ وَالرِّضَاءِ وَالسَّخَطِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ وَالْفَرَحِ وَالضَّحِكِ مِثْلُ الْحَيَاةِ.
وَأَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ الْمُوَافِقِينَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْأُصُولِ الْكِبَارِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كِلَابٍ وَهَذَا مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْمَقَالَاتِ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ بَلْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْمُرْجِئَةِ أَنَّهُ يَقُولُ بِقَوْلِهِ وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الزَّيْدِيَّةِ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِبَعْضِ قَوْلِهِ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ قَوْلَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ فَقَالَ هَلْ هَذِهِ حِكَايَةُ قَوْلِ جُمْلَةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ.
جُمْلَةُ مَا عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ الْإِقْرَارُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُرِيدُونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَاَللَّهُ تَعَالَى إلَهٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute