وَالْكِبْرِ وَالِازْدِرَاءِ عَلَى النَّاسِ وَالْعُجْبِ وَيَرَوْنَ مُجَانَبَةَ كُلِّ دَاعٍ إلَى بِدْعَةٍ، وَالتَّشَاغُلَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَكِتَابَةَ الْآثَارِ، وَالنَّظَرَ فِي الْفِقْهِ مَعَ التَّوَاضُعِ وَالِاسْتِكَانَةِ وَحُسْنَ الْخُلُقِ وَبَذْلَ الْمَعْرُوفِ وَكَفَّ الْأَذَى وَتَرْكَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالسِّعَايَةِ وَنَفَقَةَ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ.
وَقَالَ فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ وَيَسْتَعْمِلُونَهُ وَيَرَوْنَهُ وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَقُولُ وَإِلَيْهِ نَذْهَبُ وَمَا تَوْفِيقُنَا إلَّا بِاَللَّهِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَبِهِ نَسْتَعِينُ وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ.
قَالَ: فَأَمَّا أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيُثْبِتُونَ أَنَّ الْبَارِيَ لَمْ يَزَلْ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا سَمِيعًا بَصِيرًا عَزِيزًا عَظِيمًا جَلِيلًا كَبِيرًا كَرِيمًا مُرِيدًا مُتَكَلِّمًا جَوَادًا وَيُثْبِتُونَ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ وَالْحَيَاةَ وَالسَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْعَظَمَةَ وَالْجَلَالَ وَالْكِبْرِيَاءَ وَالْإِرَادَةَ وَالْكَلَامَ صِفَاتٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَالَ وَيَقُولُونَ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ لَا يُقَالُ هِيَ غَيْرُهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ عِلْمَهُ غَيْرُهُ. كَمَا قَالَتْ الْجَهْمِيَّةُ وَلَا يُقَالُ إنَّ عِلْمَهُ هُوَ هُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ فَذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّ أَصْحَابَ ابْنِ كِلَابٍ يَقُولُونَ بِأَكْثَرِ قَوْلِ أَهْلِ الْحَدِيث وَأَنَّ لَهُمْ زِيَادَةً أُخْرَى وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَنْقُصُونَ عَنْ أَقْوَالِهِمْ فَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ كِلَابٍ فِي الْقُرْآنِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَشْعَرِيُّ إلَّا عَنْهُ وَحْدَهُ وَجَعَلَ لَهُ تَرْجَمَةً فَقَالَ: وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِلَابٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كِلَابٍ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا وَإِنَّ كَلَامَ اللَّهِ صِفَةٌ لَهُ قَائِمَةٌ بِهِ وَإِنَّهُ قَدِيمٌ بِكَلَامِهِ وَإِنَّ كَلَامَهُ قَائِمٌ بِهِ كَمَا إنَّ الْعِلْمَ قَائِمٌ بِهِ وَالْقُدْرَةَ قَائِمَةٌ بِهِ وَهُوَ قَدِيمٌ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ وَلَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَغَايَرُ وَإِنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّ الرَّسْمَ هُوَ الْحُرُوفُ الْمُتَغَايِرَةُ وَهُوَ قِرَاءَةُ الْقَارِئِ وَإِنَّهُ خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ كَلَامُ اللَّهِ هُوَ هُوَ أَوْ بَعْضُهُ أَوْ غَيْرُهُ وَإِنَّ الْعِبَارَاتِ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ تَخْتَلِفُ وَتَتَغَايَرُ وَكَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمُخْتَلِفٍ وَلَا مُتَغَايِرٍ كَمَا إنَّ ذِكْرَنَا لِلَّهِ يَخْتَلِفُ وَيَتَغَايَرُ وَالْمَذْكُورُ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَتَغَايَرُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ كَلَامُ اللَّهِ عَرَبِيًّا لِأَنَّ الرَّسْمَ الَّذِي هُوَ الْعِبَارَةُ عَنْهُ وَهُوَ قِرَاءَتُهُ عَرَبِيٌّ فَسُمِّيَ عَرَبِيًّا لِعِلَّةٍ وَكَذَلِكَ سُمِّيَ عِبْرَانِيَّا وَكَذَلِكَ سُمِّيَ أَمْرًا لِعِلَّةٍ وَسُمِّيَ نَهْيًا لِعِلَّةٍ وَخَبَرِ الْعِلَّةِ وَلَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى كَلَامُهُ أَمْرًا وَقَبْلَ وُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي بِهَا سُمِّيَ كَلَامُهُ أَمْرًا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَسْمِيَته نَهْيًا وَخَبَرًا وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْبَارِي لَمْ يَزَلْ مُخْبِرًا وَكَذَلِكَ لَمْ يَزَلْ نَاهِيًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute