للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذِهِ حِكَايَةُ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ ابْنِ كِلَابٍ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا وَإِنَّ كَلَامَهُ صِفَةٌ لَهُ قَائِمٌ بِهِ كَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصِّفَاتِ الَّتِي يُثْبِتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى هِيَ عِنْدَهُ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِاَللَّهِ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.

وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ الْمَحْضَةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فَعِنْدَهُمْ لَا يَقُومُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَلَا غَيْرِهَا بَلْ كُلُّ مَا يُضَافُ إلَيْهِ فَإِنَّمَا يَعُودُ مَعْنَاهُ إلَى أَمْرٍ مَخْلُوقٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ كَمَا قَالُوهُ فِي الْكَلَامِ.

وَلَمَّا قَالَ أُولَئِكَ لِهَؤُلَاءِ إنَّ الْحُرُوفَ لَا تَكُونُ إلَّا مُتَعَاقِبَةً وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَخَارِجَ وَكِلَاهُمَا يَمْنَعُ قِدَمَهَا قَالَ لَهُمْ هَؤُلَاءِ هَذَا بِعَيْنِهِ وَارِدٌ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ الْمَعَانِيَ مُطَابِقَةٌ لِلْحُرُوفِ فِي التَّرْتِيبِ وَهِيَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى مَحِلٍّ كَافْتِقَارِ الْحُرُوفِ فَمَا قِيلَ فِي أَحَدِهِمَا قِيلَ فِي الْآخَرِ.

وَلَمَّا زَعَمَ أُولَئِكَ أَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ قَالَ هَؤُلَاءِ إنْ جَازَ أَنْ يُعْقَلَ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُتَنَوِّعَةَ تَعُودُ إلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ جَازَ أَنْ يُعْقَلَ أَنَّ الْحُرُوفَ الْمُتَنَوِّعَةَ تَعُودُ إلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَقَالُوا لَهُمْ أَيْضًا التَّرْتِيبُ نَوْعَانِ تَرْتِيبٌ ذَاتِيٌّ وَتَرْتِيبٌ وُجُودِيٌّ فَالْأَوَّلُ كَتَرْتِيبِ الْعِلْمِ عَلَى الْحَيَاةِ وَالْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ التَّامَّةِ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَسَرُّوا قَوْلَهُمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ سَوَاءٌ قَالُوا إنَّهُ مَعْنًى أَوْ هُوَ حُرُوفٌ أَوْ هُوَ مَعْنًى وَحَرْفٌ.

يَقُولُونَ إنَّ الْمَخْلُوقَ هُوَ الْمُحْدَثُ وَهُوَ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى مُنْفَصِلًا عَنْهُ وَإِنَّهُ مَا ثَمَّ إلَّا قَدِيمٌ أَوْ مَخْلُوقٌ وَمَا كَانَ قَدِيمًا فَإِنَّهُ لَازِمٌ لِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَا يَكُونُ فِعْلًا لَهُ وَمَا كَانَ مُحْدَثًا فَهُوَ الْمَخْلُوقُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَا يَقُومُ عِنْدَهُمْ بِذَاتِ اللَّهِ فِعْلٌ وَلَا كَلَامٌ وَلَا إرَادَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَيَقُولُونَ لَا تَحُلُّ الْحَوَادِثُ بِذَاتِهِ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ وَلَا فِعْلٌ حَادِثٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ وَهَؤُلَاءِ يَتَأَوَّلُونَ كُلَّ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا كَقَوْلِهِ {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤] ثُمَّ اسْتَوْلَى إلَى السَّمَاءِ، وَكَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالنُّزُولِ وَغَضَبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرِضَاهُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتَكْلِيمِهِ لِمُوسَى وَلِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَكَلُّمِهِ بِالْوَحْيِ إذَا تَكَلَّمَ بِهِ فَسَمِعَتْهُ الْمَلَائِكَةُ.

وَهَؤُلَاءِ جَمِيعًا يَحْتَجُّونَ عَلَى قِدَمِ الْقُرْآنِ بِحُجَّتِهِمْ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>