للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَذْهَبِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْأَشْعَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ الزَّاغُونِيِّ وَغَيْرُهُمْ وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي بَيَانِ أَصْلِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى عَنْ أَبِي الْمَعَالِي لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ صَاغَهَا عَلَى وَجْهٍ يَدْفَعُ بِهَا بَعْضَ الْأَسْئِلَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ وَنُبَيِّنُ أَنَّهُ بَنَاهَا عَلَى امْتِنَاعِ حُلُولِ الْحَوَادِثِ بِهِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَاهُنَا كَمَا ذَكَرَهَا هَؤُلَاءِ فَإِنَّ هَذَا مَشْهُورٌ فِي كَلَامِهِمْ كُلِّهِمْ وَقَدْ اعْتَرَفَ أَصْحَابُ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ هِيَ عُمْدَتُهُ وَعُمْدَةُ غَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَابْنِ فُورَكٍ وَأَبِي مَنْصُورٍ عَلَى قِدَمِ الْكَلَامِ قَالَ لَوْ كَانَ كَلَامُ الْبَارِي حَادِثًا لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَقُومَ بِذَاتِ الْبَارِي تَعَالَى فَيَكُونَ مَحِلًّا لِلْحَوَادِثِ بِمَثَابَةِ الْجَوَاهِرِ أَوْ يَحْدُثَ لَا فِي مَحِلٍّ وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْمَحِلِّ نَفَى اخْتِصَاصَهُ إذْ لَيْسَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ سُبْحَانَهُ أَوْلَى مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِغَيْرِهِ وَإِنْ حَدَثَ فِي مَحِلٍّ آخَرَ وَقَامَ بِهِ كَانَ كَلَامًا لِذَلِكَ الْمَحِلِّ وَكَانَ الْمَحِلُّ بِهِ مُتَكَلِّمًا آمِرًا نَاهِيًا لِأَنَّ كُلَّ قَائِمٍ بِمَحِلٍّ اخْتَصَّ بِهِ اخْتِصَاصًا يَجِبُ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ عِنْدَ الْعِبَارَةِ بِأَخَصِّ أَوْصَافِهِ يُشْتَقُّ لَهُ أَوْ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي الْمَحِلُّ مِنْهَا وَصْفٌ مِنْهُ إمَّا مِنْ أَخَصِّ وَصْفِهِ أَوْ أَعَمِّ أَوْصَافِهِ أَوْ مِنْ مَعْنَاهُ أَوْ يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ بِأَخَصِّ وَصْفه فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَطَلَ أَنْ يَخْلُقَ كَلَامَهُ فِي مَحِلٍّ وَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ بَطَلَ كَوْنُهُ حَادِثًا.

وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِيَانِ أَبُو عَلِيِّ بْنُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْحَسَنِ الزَّاغُونِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ

قَالَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْمَعْقُولُ وَفِيهِ أَدِلَّةٌ نَذْكُرُ مِنْهَا الْجَلِيَّ مِنْ مُعْتَمَدَاتِهَا فَمِنْ ذَلِكَ تَقُولُ لَوْ كَانَ كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقًا لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا فِي مَحِلٍّ أَوْ لَا فِي مَحِلٍّ فَإِنْ كَانَ فِي مَحِلٍّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَحِلُّهُ ذَاتَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ أَوْ ذَاتًا غَيْرَ ذَاتِهِ مَخْلُوقَةً وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهُ اللَّهُ فِي ذَاتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ كَوْنَ ذَاتِهِ تَعَالَى مَحِلًّا لِلْحَوَادِثِ وَهَذَا مُحَالٌ اتَّفَقَتْ الْأَئِمَّةُ قَاطِبَةً عَلَى إحَالَتِهِ وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ فِي مَحِلٍّ هُوَ ذَاتٌ غَيْرُ ذَاتِهِ تَعَالَى لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا لِتِلْكَ الذَّاتِ وَلَا يَكُونُ كَلَامًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا لِلَّهِ تَعَالَى يُقَالُ لَهُ كَلَامُهُ وَصِفَتُهُ لَجَازَ أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ مِثْلُ الْكَوْنِ وَاللَّوْنِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالْإِرَادَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى بُطْلَانِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>