للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْكَلَامِ وَالْأَفْعَالِ وَقَدْ ظَنَّ مَنْ ذُكِرَ مِنْ هَؤُلَاءِ كَأَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الزَّاغُونِيِّ أَنَّ الْأُمَّةَ قَاطِبَةً اتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ وَجَعَلُوا ذَلِكَ الْأَصْلَ الَّذِي اعْتَمَدُوهُ وَهَذَا مَبْلَغَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَهَذَا الْإِجْمَاعُ نَظِيرُ غَيْرِهِ مِنْ الْإِجْمَاعَاتِ الْبَاطِلَةِ الْمُدَّعَاةِ فِي الْكَلَامِ وَنَحْوِهِ وَمَا أَكْثَرَهَا فَمَنْ تَدَبَّرَهَا وَجَدَ عَامَّةَ الْمَقَالَاتِ الْفَاسِدَةِ يَبْنُونَهَا عَلَى مُقَدِّمَاتِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِجْمَاعٍ مُدَّعًى أَوْ قِيَاسٍ وَكِلَاهُمَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ يَكُونُ بَاطِلًا.

وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ بَعْضَ مُتَكَلِّمَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ يَدَّعُونَ مِثْلَ هَذَا الْإِجْمَاعِ مَعَ النُّصُوصِ الْكَثِيرَةِ عَنْ أَصْحَابِهِمْ بِنَقِيضِ ذَلِكَ بَلْ عَنْ إمَامِهِمْ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ حَتَّى فِي لَفْظِ الْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ وَقَدْ أَثْبَتَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِثْلُ ابْنِ حَامِدٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ إجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورِينَ فَلْيَتَدَبَّرْ الْعَاقِلُ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَى الْهِدَايَةِ وَلْيَقُلْ {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: ١٠] .

وَلَكِنْ نَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ تُبَيِّنُ فَسَادَ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ خَلَقَ اللَّهُ كَلَامَهُ فِي مَحِلٍّ فَمَا ذَكَرُوهُ يُبَيِّنُ فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي اتَّفَقَتْ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى ضَلَالَةِ قَائِلِهِ بَلْ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالْإِضْرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَكِنَّ هَذَا يَسْلَمُ وَيَطَّرِدُ لِمَنْ جَعَلَ الْأَفْعَالَ قَائِمَةً بِهِ وَجَعَلَ صِفَةَ التَّكْوِينِ قَائِمَةً بِهِ.

وَلِهَذَا انْتَقَضْت عَلَى الْأَشْعَرِيَّةِ دُونَ الْجُمْهُورِ وَيُبَيِّنُ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ قَائِمٌ بِهِ وَهَذَا حَقٌّ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا شَاءَ فَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا ابْتَدَعَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَتَحَرَّكُ وَلَا تَحِلُّ بِهِ الْحَوَادِثُ وَبِذَلِكَ نَفَوْا أَنْ يَكُونَ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوِيًا وَأَنْ يَجِيءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَمَّا قَوْلُ هَؤُلَاءِ لَوْ خَلَقَهُ فِي نَفْسِهِ لَكَانَتْ ذَاتُهُ مَحِلًّا لِلْحَوَادِثِ فَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّهُ يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ لَا يَقُولُونَ إنَّهُ يَخْلُقُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا إذْ الْخَلْقُ هُوَ فِعْلٌ أَيْضًا قَائِمٌ بِهِ عِنْدَهُمْ بِمَشِيئَتِهِ فَلَا يَكُونُ لِلْخَلْقِ خَلْقٌ آخَرُ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ وَالتَّسَلْسُلُ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ إنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ بَلْ كُلُّ مَنْ قَالَ إنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>