كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ فَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ يَخْلُقُهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ وَالسَّلَفُ عَلِمُوا أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ فَجَعَلُوا يُبَيِّنُونَ فَسَادَ ذَلِكَ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا كَلَامُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ وَلَا يَكُونُ مِنْ اللَّهِ شَيْءٌ مَخْلُوقٌ وَقَوْلُهُمْ كَلَامُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ لَيْسَ بِبَائِنٍ عَنْهُ وَقَوْلُ أَحْمَدَ لِمَنْ سَأَلَهُ أَلَيْسَ كَلَامُك مِنْك قَالَ بَلَى فَكَلَامُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ فَلَوْ أَنَّ الْمُحْتَجَّ قَالَ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ فِي ذَاتِهِ شَيْئًا لَكَانَ هَذَا كَلَامًا صَحِيحًا فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَخْلُقُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا فِيمَا أَعْلَمُ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الَّذِي ادَّعَاهُ فَإِنَّ النِّزَاعَ فِيهِ مِنْ أَشْهَرِ الْأُمُورِ وَاَلَّذِينَ أَثْبَتُوا ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الَّذِينَ نَفَوْهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ جَمِيعًا.
وَلَكِنَّ اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا يُبْطِلُ مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدِيمٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَعَلَّ هَذِهِ حُجَّةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْكِنَانِيُّ وَلِهَذَا النِّزَاعِ الْعَظِيمِ بَيْنَ الَّذِينَ يَقُولُونَ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ مُحْدَثٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِي غَيْرِهِ وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ هُوَ قَدِيمٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ إذَا تَدَبَّرَهُ اللَّبِيبُ وَجَدَ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ إنَّمَا تُقِيمُ الْحُجَجَ عَلَى إبْطَالِ قَوْلِ خَصْمِهَا لَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهَا أَمَّا الَّذِينَ يَنْفُونَ الْخَلْقَ عَنْهُمْ فَأَدِلَّتُهُمْ عَامَّتُهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْكَلَامِ بِهِ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ لَا يَقُومُ إلَّا بِغَيْرِهِ وَهَذَا أَصْلٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ أُصُولِ السَّلَفِ الَّذِي بَيَّنُوا بِهِ فَسَادَ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا مَخْلُوقٌ فَلَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ إلَّا مَا يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ قَدِيمًا وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: ١] {وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ} [النساء: ١٦٣] وَ {أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ} [يونس: ١٣] لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَإِلَّا كَانَ كَذِبًا لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ الْمَاضِي.
وَكَذَلِكَ إخْبَارُهُ عَنْ أَقْوَالِ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَمُخَاطَبَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِقَوْلِهِ قَالُوا وَقَالُوا كَذَلِكَ فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ مَجْعُولٌ عَرَبِيًّا وَإِنَّهُ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ وَهَذَا إخْبَارٌ بِفِعْلٍ مِنْهُ تَعَلَّقَ بِهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ تَعَلُّقُهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الْجَعْلَ فِعْلٌ مِنْ اللَّهِ غَيْرُ الْخَلْقِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَكَرَ لَفْظَهُ وَقَدْ حَقَّقُوا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ أَنَّهُ جَعَلَهُ عَرَبِيًّا عَلَى وَجْهِ الِامْتِنَانِ عَلَيْنَا بِهِ وَالِامْتِنَانُ إنَّمَا يَكُونُ بِفِعْلِهِ الْمُتَعَلِّقِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لَا بِالْأُمُورِ اللَّازِمَةِ لِذَاتِهِ وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ أَجَابُوا بِجَوَابٍ ضَعِيفٍ كَقَوْلِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ جَعَلْنَاهُ أَيْ أَظْهَرْنَاهُ وَأَنْزَلْنَاهُ فَيُقَالُ لَهُمْ يَكْفِي فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute