للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ تَكَلُّمِهِ فِي الْآخِرَةِ وَخِطَابِهِ لِلرُّسُلِ فَلَمَّا أَقَرُّوا بِنَفْيِ التَّكَلُّمِ عَنْهُ أَزَلًا وَأَبَدًا وَلَمْ يُفَسِّرُوا ذَلِكَ إلَّا بِخَلْقِ الْكَلَامِ فِي غَيْرِهِ قَالَ قَدْ أَعْظَمْتُمْ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتَكَلَّمُ فَشَبَّهْتُمُوهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَكَلَّمُ وَلَا تَحَرَّكَ وَلَا تَزُولُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان.

وَهَذِهِ الْحُجَّةُ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الْأَوْلَى وَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْأَمْثَالِ الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَابَ الْأَصْنَامَ بِأَنَّهَا لَا تَرْجِعُ قَوْلًا وَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَهَذَا مِنْ الْمَعْلُومِ بِبِدَايَةِ الْعُقُولِ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّكَلُّمِ صِفَةُ نَقْصٍ وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَكْمَلُ مِنْ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَلَامِ وَكُلَّمَا تَنَزَّهَ الْمَخْلُوقُ عَنْهُ مِنْ صِفَةِ نَقْصٍ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ بِتَنْزِيهِهِ عَنْهُ وَكُلَّمَا ثَبَتَ لِشَيْءٍ مِنْ صِفَةِ كَمَالٍ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ بِاتِّصَافِهِ بِذَلِكَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِتَنْزِيهِهِ عَنْ كَوْنِهِ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ الْأَحْيَاءِ الْآدَمِيِّينَ وَأَحَقُّ بِالْكَلَامِ مِنْهُمْ وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ مُمَاثَلَةِ النَّاقِصَيْنِ الْمَعْدُومُ وَالْمَوَاتُ وَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ فَلَمَّا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ قَالَ إنَّهُ قَدْ يَتَكَلَّمُ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ فَقُلْنَا وَكَذَلِكَ بَنُو آدَمَ كَلَامُهُمْ مَخْلُوقٌ فَقَدْ شَبَّهْتُمْ اللَّهَ تَعَالَى بِخَلْقِهِ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ فَفِي مَذْهَبِكُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى خَلَقَ التَّكَلُّمَ وَكَذَلِكَ بَنُو آدَمَ لَا يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى خَلَقَ لَهُمْ كَلَامًا فَقَدْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ كُفْرٍ وَتَشْبِيهٍ فَتَعَالَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ بَلْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى خَلَقَ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ لَا يَعْلَمُ حَتَّى خَلَقَ فَعَلِمَ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا قُدْرَةَ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ قُدْرَةً وَلَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا نُورَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ نُورًا وَلَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا عَظَمَةَ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ عَظَمَةً.

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَرَادَ بِهِ بِأَوَّلًا أَنَّهُ قَدْ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ مَخْلُوقٍ يَخْلُقُهُ لِنَفْسِهِ فِي ذَاتِهِ أَوْ يَخْلُقُهُ قَائِمًا بِنَفْسِهِ لِيَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ غَيْرَ الْأَوَّلِ الَّذِي قَالَ إنَّهُ يَخْلُقُ شَيْئًا فَيُعَبِّرُ عَنْ اللَّهِ وَقَالَ إنَّكُمْ شَبَّهْتُمُوهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَتَكَلَّمُ وَلَا تَتَحَرَّكُ وَلَا تَزُولُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان ثُمَّ انْتَقَلَ الْجَهْمِيُّ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْجَوَابِ فَقُلْنَا وَكَذَلِكَ بَنُو آدَمَ كَلَامُهُمْ مَخْلُوقٌ فَقَدْ شَبَّهْتُمْ اللَّهَ تَعَالَى بِخَلْقِهِ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ فَفِي مَذْهَبِكُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى خَلَقَ التَّكَلُّمَ وَكَذَلِكَ بَنُو آدَمَ لَا يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى خَلَقَ لَهُمْ كَلَامًا

<<  <  ج: ص:  >  >>