فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَلَا يَعْمَلُونَ إلَّا بِأَمْرِهِ وَأَنَّهُمْ لَا يَتَكَلَّمُونَ بِالشَّفَاعَةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لَهُمْ وَأَنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُونَ مَا قَالَ حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ أَيْ خُلِّيَ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَأُزِيلَ الْفَزَعُ كَمَا يُقَالُ قُرِّدَتْ الْبَعِيرُ إذَا أَزَلَّتْ قُرَادَهُ وَتَحَرَّبَ وَتَحَرَّجَ وَتَأَثَّمَ وَتَحَنَّثَ إذَا أَزَالَ عَنْ نَفْسِهِ الْحَرْبَ وَالْإِثْمَ وَالْحَرَجَ وَالْحِنْثَ فَإِذَا أُزِيلَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا حِينَئِذٍ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلْمُتَفَلْسِفَةِ مِنْ الصَّائِبَةِ وَنَحْوِهِمْ وَمِنْ أَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَصْنَافِ الْمُتَكَلِّمَةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ وَالْمُتَعَفِّفَةِ الَّذِينَ خَلَطُوا الْحَنِيفِيَّةَ بِالصَّابِئَةِ فِيمَا يَزْعُمُونَهُ مِنْ تَعْظِيمِ الْعُقُولِ أَوْ النُّفُوسِ الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا هِيَ الْمَلَائِكَةُ وَأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ عَنْ اللَّهِ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ وَهِيَ الْمُدَبِّرَةُ لِلْعَالَمِ بِطَرِيقِ التَّوَلُّدِ وَالتَّعْلِيلِ لَا بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ وَإِذْنٍ يَكُونُ إذَا شَاءَ بَلْ يَجْعَلُونَ الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْعَقْلَ الْفَعَّالَ هُوَ الْمُدَبِّرَ لِهَذَا الْعَالَمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْدِثَ اللَّهُ نَفْسُهُ شَيْئًا أَصْلًا وَهَذَا عَبَّدَ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ وَالْكَوَاكِبَ وَعَظَّمُوا ذَلِكَ جِدًّا وَهَذِهِ النُّصُوصُ الْمُتَوَاتِرَةُ تُكَذِّبُهُمْ وَتُبَيِّنُ بُعْدَهُمْ عَنْ الْحَقِّ بِمَرَاتِبَ مُتَعَدِّدَةٍ خَمْسَةً وَأَكْثَرَ.
فَإِنَّ الْمَرْتَبَةَ الْأُولَى: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ هَلْ تَتَصَرَّفُ وَتَتَكَلَّمُ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْأَحْيَاءِ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ اللَّهِ وَأَمْرٍ وَقَوْلٍ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ خَالِقَ أَفْعَالِهِمْ كَمَا هُوَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ خَالِقَ أَفْعَالِهِمْ فَإِنَّ أَفْعَالَهُمْ قَدْ تَكُونُ مَعْصِيَةً وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهَا وَلَا مَنْهِيٍّ عَنْهَا بَلْ يَتَصَرَّفُونَ بِمُوجِبِ إرَادَتِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً وَالْمَلَائِكَةُ لَيْسُوا كَذَلِكَ بَلْ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ فَلَا يَفْعَلُونَ مَا يَكُون مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ بَلْ لَا يَفْعَلُونَ إلَّا مَا هُوَ مِنْ الطَّاعَاتِ.
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمْ لَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنْ ارْتَضَى فَلَا يَشْفَعُونَ عِنْدَهُ لِمَنْ لَا يُحِبُّ الشَّفَاعَةَ لَهُ كَمَا قَدْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ يَدْعُو اللَّهَ بِمَا لَا يُحِبُّهُ.
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُمْ أَيْضًا لَا يَبْتَدِئُونَ بِالشَّفَاعَةِ فَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الشَّفَاعَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute