وَالْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهُمْ لَا يَسْتَأْذِنُونَ فِي أَنْ يَشْفَعُوا إذْ هُمْ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ بَلْ هُوَ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الشَّفَاعَةِ ابْتِدَاءً فَيَأْمُرُهُمْ بِهَا فَيَفْعَلُونَهَا عِبَادَةً لِلَّهِ وَطَاعَةً.
وَالْمَرْتَبَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُمْ يَسْجُدُونَ إذَا سَمِعُوا كَلَامَهُ وَأَمْرَهُ وَإِذْنَهُ وَلَمْ يُطِيقُوا فَهْمَهُ ابْتِدَاءً بَلْ خَضَعَتْ وَفَزِعَتْ وَضَرَبَتْ بِأَجْنِحَتِهَا وَضَعُفَتْ وَسَجَدَتْ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَجَلَّى عَنْهُمْ الْفَزَعَ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ فَهَذِهِ حَالُهُمْ عِنْدَ تَكَلُّمِهِ بِالْوَحْيِ أَمَّا وَحَيُّ كَلَامِهِ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ رُسُلَهُ كَمَا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ وَأَمَّا أَمْرُهُ الَّذِي، يَقْضِي بِهِ مِنْ أَمْرٍ يَكُونُهُ فَذَلِكَ حَاصِلٌ فِي أَمْرِ التَّشْرِيعِ وَأَمْرِ التَّكْوِينِ وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: ٢٣] وَحَتَّى حَرْفُ غَايَةٍ يَكُونُ مَا بَعْدَهَا دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهَا لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ إلَى الَّتِي قَدْ يَكُونُ مَا بَعْدَهَا خَارِجًا عَمَّا قَبْلَهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] وَهِيَ سَوَاءٌ كَانَتْ حَرْفَ عَطْفٍ أَوْ حَرْفَ جَرٍّ تَتَضَمَّنُ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهَا يَكُونُ النِّهَايَةُ الَّتِي يُنَبَّهُ بِهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا فَتَقُولُ قَدِمَ الْحُجَّاجَ حَتَّى الْمُشَاةَ فَقُدُومُ الْمُشَاةِ تَنْبِيهٌ عَلَى قُدُومِ الرُّكَّابِ وَتَقُولُ أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا فَأَكْلُ رَأْسِهَا تَنْبِيهٌ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ أَكْلَ رُءُوسِ السَّمَكِ قَدْ يَبْقَى فِي الْعَادَةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ أَخْبَرَ فِيهَا سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ مُلْكٌ وَلَا شِرْكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَا مُعَاوَنَةٌ لَهُ وَلَا شَفَاعَةٌ إلَّا بَعْدَ إذْنِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ - وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: ٢٢ - ٢٣] .
ثُمَّ قَالَ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: ٢٣] وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ (عَنْ قُلُوبِهِمْ) يَعُودُ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَلَهُ مَنْ أَذِنَ لَهُ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَدْخُلُونَ فِي قَوْلِهِ {مَنْ أَذِنَ لَهُ} [طه: ١٠٩] وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ} [سبأ: ٢٢] . فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ فَسَلَبَهُمْ الْمُلْكَ وَالشَّرِكَةَ وَالْمُعَاوَنَةَ وَالشَّفَاعَةَ إلَّا بِإِذْنِهِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ حَتَّى أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ لَا يَثْبُتُونَ لِكَلَامِهِ وَلَا يَسْتَقِرُّونَ بَلْ يُفَزَّعُونَ وَلَا يَفْهَمُونَ ثُمَّ إذَا أُزِيلَ عَنْهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute