للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إجْرَاءُ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ عَلَى ظَاهِرِهَا مَعَ نَفْيِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ عَنْهَا فَلَا نَقُولُ إنَّ مَعْنَى الْيَدِ الْقُدْرَةُ وَلَا إنَّ مَعْنَى السَّمْعِ الْعِلْمُ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَلَى الْكَلَامِ فِي الذَّاتِ يُحْتَذَى فِيهِ حَذْوُهُ وَيُتْبَعُ فِيهِ مِثَالُهُ فَإِذَا كَانَ إثْبَاتُ الذَّاتِ إثْبَاتَ وُجُودٍ لَا إثْبَاتَ كَيْفِيَّةٍ فَكَذَلِكَ إثْبَاتُ الصِّفَاتِ إثْبَاتُ وُجُودٍ لَا إثْبَاتُ كَيْفِيَّةٍ، فَقَدْ أَخْبَرَك الْخَطَّابِيُّ وَالْخَطِيبُ وَهُمَا إمَامَانِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَّفَقٌ عَلَى عِلْمِهِمَا بِالنَّقْلِ وَعَلِمَ الْخَطَّابِيُّ بِالْمَعَانِي أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ إجْرَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا مَعَ نَفْيِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ عَنْهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ بَالَغْتُ فِي الْبَحْثِ عَنْ مَذَاهِبِ السَّلَفِ فَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَ ذَلِكَ.

وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ أَنَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ، فَيَجِبُ لِمَنْ أَحْسَنَ بِهِ الظَّنَّ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ الظَّاهِرُ الَّذِي يَلِيقُ بِالْمَخْلُوقِ لَا بِالْخَالِقِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُرَادٌ فَهُوَ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ كَافِرٌ.

فَهُنَا بَحْثَانِ لَفْظِيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ أَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ فِي قَوْلِهِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] وَنَحْوُهُ أَنْ يُقَالَ اسْتِوَاءٌ كَاسْتِوَاءِ مَخْلُوقٍ أَوْ يُفَسَّرَ بِاسْتِوَاءٍ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثًا أَوْ نَقْصًا فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُحْكَى عَنْ الضُّلَّالِ الْمُشَبِّهَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا بِالْقُرْآنِ وَبِالْعَقْلِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ مَا ثَمَّ اسْتِوَاءٌ حَقِيقِيٌّ أَصْلًا وَلَا عَلَى الْعَرْشِ إلَهٌ وَلَا فَوْقَ السَّمَوَاتِ رَبٌّ فَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجَهْمِيَّةِ الضَّالَّةِ الْمُعَطِّلَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا بِمَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي الْعُلُومِ النَّبَوِيَّةِ وَبِمَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَلِيقَتَهُ مِنْ الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ فَوْقَ خَلْقِهِ كَإِقْرَارِهِمْ بِأَنَّهُ رَبُّهُمْ.

قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: مَا زَالَتْ الْأُمَمُ عَرَبُهَا وَعَجَمُهَا فِي جَاهِلِيَّتِهَا وَإِسْلَامِهَا مُعْتَرِفَةً بِأَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ، أَيْ عَلَى السَّمَاءِ أَوْ يُقَالُ بَلْ اسْتَوَى سُبْحَانَهُ عَلَى الْعَرْشِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَيُنَاسِبُ كِبْرِيَاءَهُ وَأَنَّهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ وَأَنَّهُ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ حَامِلٌ لِلْعَرْشِ وَلِحَمَلَةِ الْعَرْشِ، وَأَنَّ الِاسْتِوَاءَ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفَ مَجْهُولٌ وَالْإِيمَانَ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالَ عَنْهُ بِدْعَةٌ، كَمَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، فَهَذَا مَذْهَبُ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ اسْتَوَى عِنْدَ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَاقِينَ عَلَى الْفِطْرَةِ السَّالِمَةِ الَّتِي لَمْ تَنْحَرِفْ إلَى تَعْطِيلٍ وَلَا إلَى تَمْثِيلٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ الْوَاسِطِيُّ الْمُتَّفَقُ عَلَى إمَامَتِهِ وَجَلَالَتِهِ وَفَضْلِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>