فَإِنْ أَرَادَ الْحَالِفُ بِالظَّاهِرِ شَيْئًا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الْمُحْدَثَيْنِ، أَوْ مَا يَقْتَضِي نَوْعَ نَقْصٍ بِأَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ مِثْلُ اسْتِوَاءِ الْأَجْسَامِ عَلَى الْأَجْسَامِ، أَوْ كَاسْتِوَاءِ الْأَرْوَاحِ إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ لَا تَدْخُلُ فِي أُمَمِ الْأَجْسَامِ فَقَدْ حَنِثَ فِي ذَلِكَ وَكَذَبَ، وَمَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ ذَلِكَ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ مِثْلِ دَاوُد الْجَوَارِبِيِّ الْبَصْرِيِّ وَمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْخُرَاسَانِيِّ وَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ الرَّافِضِيِّ وَنَحْوِهِمْ إنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي نَفْسِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَأَنَّ مُبَايَنَتَهُ لِلْمَخْلُوقِينَ وَتَنَزُّهَهُ عَنْ مُشَارَكَتِهِمْ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ مِمَّا يَعْرِفُهُ الْعَارِفُونَ مِنْ خَلِيقَتِهِ وَيَصِفُهُ الْوَاصِفُونَ، وَأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ تَسْتَلْزِمُ حُدُوثَهُ أَوْ نَقْصًا غَيْرَ الْحُدُوثِ فَيَجِبُ نَفْيُهَا عَنْهُ.
وَمَنْ حَكَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، أَنَّهُ قَاسَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ فَهُوَ إمَّا كَاذِبٌ أَوْ مُخْطِئٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْحَالِفُ بِالظَّاهِرِ مَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي فِطَرِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ ظُهُورِ الْأَهْوَاءِ وَتَشَتُّتِ الْآرَاءِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا أَنَّ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي سَائِرِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَى.
وَ {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] وَ «يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إذَا أُطْلِقَتْ عَلَيْنَا أَنْ تَكُونَ أَعْرَاضًا وَأَجْسَامًا لِأَنَّ ذَوَاتِنَا كَذَلِكَ وَلَيْسَ ظَاهِرُهَا إذَا أُطْلِقَتْ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَّا مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَيُنَاسِبُ نَفْسَهُ.
فَكَمَا أَنَّ لَفْظَ ذَاتٍ وَوُجُودٍ وَحَقِيقَةٍ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى عِبَادِهِ وَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْإِطْلَاقَيْنِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرُهُ فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى مُسَاوِيًا لِظَاهِرِهِ فِي حَقِّنَا وَلَا مُشَارِكًا لَهُ فِيمَا يُوجِبُ نَقْصًا وَحُدُوثًا سَوَاءٌ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُتَوَاطِئَةً أَوْ مُشْتَرِكَةً أَوْ مُشَكِّكَةً، كَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: ١٦٦] وَ {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ} [الذاريات: ٥٨] {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] الْبَابُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ، وَكَانَ قُدَمَاءُ الْجَهْمِيَّةِ يُنْكِرُونَ جَمِيعَ الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ فِينَا أَعْرَاضٌ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَأَجْسَامٌ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ، وَحُدَثَاؤُهُمْ أَقَرُّوا بِكَثِيرٍ مِنْ الصِّفَاتِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَأَنْكَرُوا بَعْضَهَا وَالصِّفَاتُ الَّتِي هِيَ فِينَا أَجْسَامٌ هِيَ فِينَا أَعْرَاضٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ فِينَا أَجْسَامٌ كَالْيَدِ وَأَمَّا السَّلَفِيَّةُ فَعَلَى مَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: مَذْهَبُ السَّلَفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute