يَعْلَمُ الْعُلَمَاءُ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا مَا قَدْ اسْتَفَاضَ عَنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مِثْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَالْحُمَيْدِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ إنْكَارِهِمْ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، وَالْآثَارُ بِذَلِكَ مَشْهُورَةٌ فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَكِتَابِ اللَّالَكَائِيِّ تِلْمِيذِ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَكِتَابِ الطَّبَرَانِيِّ وَكِتَابِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَطُولُ ذِكْرُهُ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ التَّقْرِيرِ بِالْأَدِلَّةِ وَالْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَقْصُودُ الْحَالِفِ بِذِكْرِ الصَّوْتِ التَّصْدِيقَ بِالْآثَارِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَابَتِهِ وَتَابِعِيهِمْ الَّتِي وَافَقَتْ الْقُرْآنَ وَتَلَقَّاهَا السَّلَفُ بِالْقَبُولِ مِثْلُ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقُولُ اللَّهُ يَا آدَم فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فَيُنَادِي بِصَوْتٍ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِك بَعْثًا إلَى النَّارِ» .
وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ: «أَنَّ اللَّهَ يُنَادِي عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ» وَمِثْلُ: «إنَّ اللَّهَ إذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ صَوْتَهُ» ، وَفِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعُوا صَوْتَ الْجَبَّارِ وَأَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى بِصَوْتٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ الَّتِي قَالَهَا إمَّا ذَاكِرًا وَإِمَّا آثِرًا مِثْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَسْرُوقٍ أَحَدِ أَعْيَانِ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمَنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً وَلَا يُنْقَلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَلَا قَالَ خِلَافَهُ، بَلْ كَانَتْ الْآثَارُ مَشْهُورَةً بَيْنَهُمْ مُتَدَاوَلَةً فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ، بَلْ أَنْكَرَ ذَلِكَ شَخْصٌ فِي زَمَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ أَوَّلُ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي نَبَغَتْ فِيهَا الْبِدَعُ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ، وَإِلَّا فَقَبْلَهُ قَدْ نَبَغَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ، فَهَجَرَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَصَارَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَالْجَمَلِ الْأَجْرَبِ، فَإِنْ أَرَادَ الْحَالِفُ مَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ نَقْلًا صَحِيحًا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: وَأَمَّا حَلِفُهُ أَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، عَلَى مَا يُفِيدُهُ الظَّاهِرُ وَيَفْهَمُهُ النَّاسُ، مِنْ ظَاهِرِهِ فَلَفْظَةُ الظَّاهِرِ قَدْ صَارَتْ مُشْتَرَكَةً فَإِنَّ الظَّاهِرَ فِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ وَاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَالدِّينِ الْقَيِّمِ وَلِسَانِ السَّلَفِ غَيْرُ الظَّاهِرِ فِي عُرْفِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute