للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إثْبَاتًا وَاَلَّذِي يُقَالُ فِي امْتِنَاعِهِ أَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا شَيْئًا وَاحِدًا لَهُ يَكُونُ لَهُ حَقِيقَتَانِ فَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهِمَا مَا يُضَادُّ إحْدَى الْحَقِيقَتَيْنِ لَزِمَ أَنْ نُقَدِّمَ تِلْكَ الصِّفَةَ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَا نُقَدِّمَ مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ، قَالَ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّا حَكَيْنَا عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ اسْتِدْلَالَهُمْ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ الْأَجْنَاسِ لَا تَقَعُ بِالْفَاعِلِ، ثُمَّ زَيَّفْنَا ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ وَتِلْكَ الْوُجُوهُ بِأَسْرِهَا عَائِدَةٌ هَاهُنَا فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ عَلَى مَنْ اسْتَدَلَّ عَلَى امْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الْوَاحِدُ أَمْرًا وَنَهْيًا وَخَبَرًا وَاسْتِخْبَارًا مَعًا، وَأَمَّا الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فَلَا يُمْكِنْ أَنْ نُعَوِّلَ فِيهِ عَلَى الْإِجْمَاعِ مِنْ الْحِكَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ نَصًّا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَقْلِيَّةٌ فَبَقِيَتْ الْمَسْأَلَةُ بِلَا دَلِيلٍ وَإِنَّمَا قَالَ لَا يُمْكِنُ التَّعْوِيلُ فِيهَا عَلَى الْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الَّذِي اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ وَاحِدٌ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ عَوَّلَ فِيهَا عَلَى الْإِجْمَاعِ، فَقَالَ الْقَائِلُ قَائِلَانِ، قَائِلٌ يَقُولُ: اللَّهُ عَالِمٌ بِالْعِلْمِ قَادِرٌ بِالْقُدْرَةِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: اللَّهُ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِالْعِلْمِ وَلَا قَادِرًا بِالْقُدْرَةِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ إنَّهُ عَالِمٌ بِعِلْمٍ وَاحِدٍ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ عَالِمٌ بِعِلْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا ثَالِثًا خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ أَنَّهُ قَالَ إنَّهُ عَالِمٌ بِعُلُومٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ لَكِنْ قَالَ هُوَ مَسْبُوقٌ بِهَذَا الْإِجْمَاعِ.

قُلْت وَهَذَا الْكَلَامُ فِيهِ أُمُورٌ يَتَبَيَّنُ بِهَا مِنْ الْهُدَى لِمَنْ يَهْدِيهِ اللَّهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ.

أَحَدُهَا: إنَّهُ لَمْ يَعْتَمِدْ فِي كَوْنِ كَلَامِ اللَّهِ قَدِيمًا عَلَى حُجَّةٍ عَقْلِيَّةٍ وَلَا عَلَى كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّة، بَلْ ادَّعَى فِيهَا الْإِجْمَاعَ قَالَ لِأَنَّ الْأُمَّةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ نَفَى كَوْنَ اللَّهِ مَوْصُوفًا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَهُ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ زَعَمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ قَدِيمَةٌ، فَلَوْ أَثْبَتْنَا كَوْنَهُ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ ثُمَّ حَكَمْنَا بِحُدُوثِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، كَانَ ذَلِكَ قَوْلًا ثَالِثًا خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ يُقَالُ لَهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَثْبَتَ اتِّصَافَهُ وَأَنَّهُ يَقُومُ بِهِ مَعْنَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ يَقُولُ بِقَدَمِهِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَقُولُ بِقِدَمِهِ فَمِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ كَالشِّيعَةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ فَطَوَائِفُ كَثِيرَةٌ وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي الْكُتُبِ الْحَدِيثِيَّةِ وَالْكَلَامِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ إنَّهُ يَقُومُ بِهِ حُرُوفٌ لَيْسَتْ قَدِيمَةً لَكِنْ لَا يَقُولُونَ إنَّهُ يَقُومُ بِهِ مَعَانٍ لَيْسَتْ قَدِيمَةً لِأَنَّ أَقْوَالَهُمْ الْمَنْقُولَةَ تَنْطِقُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>