للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

افْتَرَوْا النَّصَّ ثُمَّ زَعَمُوا أَنَّ مَا ابْتَدَعُوهُ وَافْتَرَوْهُ عَنْ الْعَبَّاسِ مَعَ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ هَذَا الَّذِي افْتَرَوْهُ كَمَا أَنَّ هَؤُلَاءِ ابْتَدَعُوا مَقَالَةً افْتَرَوْهَا فِي كَلَامِ اللَّهِ لَمْ يُسْبَقُوا إلَيْهَا ثُمَّ ادَّعَوْا أَنَّ مَا ابْتَدَعُوهُ وَافْتَرَوْهُ عَنْ الْقِيَاسِ مَعَ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ يُحَقِّقُ هَذِهِ الْفِرْيَةَ وَعَامَّةُ أُصُولِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الْخَارِجِينَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَجِدُهَا مَبْنِيَّةً عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْقِيَاسِ الَّذِي وَضَعُوهُ وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبُوهُ يُعَارِضُونَ بِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَنَوْعٌ مِنْ الْإِجْمَاعِ الَّذِي يَدَّعُونَهُ فَيُرَكِّبُونَ مِنْ ذَلِكَ الْقِيَاسَ الْعَقْلِيَّ وَمِنْ هَذَا الْإِجْمَاعِ السَّمْعِيِّ أَصْلَ دِينِهِمْ.

وَلِهَذَا تَجِدُ أَبَا الْمَعَالِي وَهُوَ أَحَدُ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْقَوَاطِعِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ وَهَكَذَا أَئِمَّةُ أَهْلِ الْكَلَامِ فِي الْأَهْوَاءِ كَأَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَشَايِخِهِمْ وَنَحْوِهِمْ لَا يَعْتَمِدُونَ لَا عَلَى كِتَابٍ وَلَا عَلَى سُنَّةٍ وَلَا عَلَى إجْمَاعٍ مَقْبُولٍ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ بَلْ يُفَارِقُونَ أَهْلَ الْجَمَاعَةِ ذَاتِ الْإِجْمَاعِ الْمَعْلُومِ بِمَا يَدَّعُونَهُ هُمْ مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُرَكَّبِ كَمَا يُخَالِفُونَ صَرَائِحَ الْمَعْقُولِ بِمَا يَدَّعُونَهُ مِنْ الْمَعْقُولِ وَكَمَا يُخَالِفُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ اللَّذَيْنِ هُمَا أَصْلُ الدِّينِ مَا يَضَعُونَهُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ.

الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ: إنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ نَظِيرُ الْحُجَجِ الْإِلْزَامِيَّةِ وَقَدْ قَرَّرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ أَنَّهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لَا لِلنَّظَرِ وَلَا لِلْمُنَاظَرَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَازِعَ لَهُ يَقُولُ لَهُ إنَّمَا قُلْت بِقِدَمِهَا لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِهِ فَأَمَّا أَنْ يَصِحَّ هَذَا الْأَصْلُ أَوْ لَا يَصِحَّ فَإِنْ صَحَّ كَانَ هُوَ الْحُجَّةَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنْ قَدْ ذَكَرْت أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بَطَلَ مُسْتَنَدُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِالْقِدَمِ وَصَحَّ مَنْعُ الْقِدَمِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ إذَا جَازَ أَنْ تُحِلَّهُ الْحَوَادِثُ وُجُوبُ قِدَمِ مَا يَقُومُ بِهِ وَهَذَا مَنْعٌ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إقَامَةِ قَوْلِهِ بِحُجَّةٍ إلْزَامِيَّةٍ وَبَيْنَ إبْطَالِ قَوْلِ مُنَازِعِيهِ بِحُجَّةٍ إلْزَامِيَّةٍ.

الْوَجْهُ الثَّانِيَ عَشَرَ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ مَعْنَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَيْسَ هُوَ الْإِرَادَةَ وَالْكَرَاهَةَ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ وَإِرَادَةِ الْكَائِنَاتِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِرَادَةِ الْعَامَّةِ الشَّامِلَةِ لِكُلِّ مَوْجُودٍ الْمُنْتَفِيَةِ عَنْ كُلِّ مَعْدُومٍ فَإِنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَتِلْكَ الْإِرَادَةُ لَيْسَتْ هِيَ الْإِرَادَةَ الَّتِي هِيَ مَدْلُولُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَإِنَّ هَذِهِ الْإِرَادَةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ فِي الْأُولَى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: ١٢٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>