للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ حَقِيقَتَهُ وَالْحَقَائِقُ لَا تَخْتَلِفُ شَاهِدًا وَلَا غَائِبًا وَذَلِكَ أَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الصِّفَةِ هِيَ هَذِهِ أَوْ مُسْتَلْزِمَةً لِهَذِهِ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا نَعْلَمُهُ بِمَا نَعْلَمُهُ فِي الشَّاهِدِ.

الْوَجْهُ الرَّابِعَ عَشَرَ: إنَّ النَّهْيَ مُسْتَلْزِمٌ لِكَرَاهِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ مُسْتَلْزِمٌ لِمَحَبَّةِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَكْرُوهُ لَا يَكُون مُرَادًا فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْإِرَادَةُ الْمَنْفِيَّةُ عَنْ الْمَكْرُوهِ الْوَاقِعِ غَيْرَ الْإِرَادَةِ اللَّازِمَةِ لَهُ وَهَذَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ إرَادَةِ الْكَائِنَاتِ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ إلَّا بِأَنْ قَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ بَلْ هِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ لِمَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ وَيُخَالِفُ مَا قَرَّرَهُ هُوَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: ٣٨] .

الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ: إنَّ طَوَائِفَ يَقُولُونَ لَهُمْ مَعْنَى الْخَبَرِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعِلْمَ لَا سِيَّمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ إنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ يُؤَوَّلُ إلَى الْخَبَرِ وَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ يُؤَوَّلُ إلَى الْخَبَرِ وَمَعْنَى الْخَبَرِ يُؤَوَّلُ إلَى الْعِلْمِ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ يُؤَوَّلُ إلَى الْعِلْمِ لَكِنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْكَلَامَ يُؤَوَّلُ كُلُّهُ إلَى الْخَبَرِ الْمَحْضِ كَمَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ وَطَائِفَةٌ هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الطَّلَبُ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ يَسْتَلْزِمُ عِلْمًا وَخَبَرًا لَكِنْ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ ذَلِكَ بَلْ حَقِيقَةَ الطَّلَبِ يَجِدُهَا الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَعْلَمُهَا بِالْإِحْسَاسِ الْبَاطِنِ وَيَجِدُ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُخْبِرًا مَحْضًا مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ أَيْضًا قَدْ يَسْتَلْزِمُ طَلَبًا وَإِرَادَةً فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ لَكِنَّ تَلَازُمَ الْخَبَرِ وَالطَّلَبِ وَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُعْلَمَ أَنْ أَحَدَهُمَا لَيْسَ هُوَ الْآخَرَ فَالْإِنْسَانُ يُخْبِرُ عَنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ بِالْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ خَبَرًا مَحْضًا وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ غَرَضٌ مِنْ حُبٍّ وَبُغْضٍ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ لَكِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ السَّمَاءُ فَوْقَنَا وَالْأَرْضُ تَحْتَنَا خَبَرٌ مَحْضٌ وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ خَبَرٌ لَكِنْ يَتْبَعُهُ مَحَبَّةٌ وَتَعْظِيمٌ وَطَاعَةٌ وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ اذْهَبْ وَتَعَالَ وَأَطْعِمْنِي وَاسْقِنِي وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ طَلَبٌ مَحْضٌ وَلَكِنَّهُ مَسْبُوقٌ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ وَالشُّعُورِ بِذَلِكَ كَالْأَفْعَالِ الْإِرَادِيَّةِ كُلِّهَا فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ كَالْأَفْعَالِ الْإِرَادِيَّةِ كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِمَا يَقُومُ بِالنَّفْسِ مِنْ حُبٍّ وَطَلَبٍ وَإِرَادَةٍ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ بُغْضٍ وَكَرَاهَةٍ وَالْخَبَرُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ وَالْعِلْمُ يَسْتَلْزِمُ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ وَالْعَمَلَ أَيْضًا فِي عَامَّةِ الْأُمُورِ وَلِهَذَا يَخْتَلِطُ بَابُ الْإِنْشَاءِ بِبَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>