الْإِخْبَارِ لِتَلَازُمِ النَّوْعَيْنِ حَيْثُ تَلَازَمَا وَلِهَذَا تُسْتَعْمَلُ صِيغَةُ الْخَبَرِ فِي الطَّلَبِ كَثِيرًا كَمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الدُّعَاءِ فِي بَابِ غَفَرَ اللَّهُ لِفُلَانٍ وَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ وَفِي الْأَمْرِ وَمِثْلِ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: ٢٢٨] وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ اسْتِعْمَالِ صِيغَةِ الطَّلَبِ فِي الْخَبَرِ الْمَحْضِ كَمَا قَدْ قِيلَ إنْ كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي قَوْله تَعَالَى {مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: ٧٥] «وَإِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ مُتَلَازِمَانِ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ فَإِذَا اسْتَعْمَلَ صِيغَةَ الْخَبَرِ فِي الطَّلَبِ فَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ فِي لَازِمِهِ وَجَعَلَ اللَّازِمَ لِقُوَّةِ الطَّلَبِ لَهُ وَالْإِرَادَةَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ مُحَقَّقٌ مُخْبَرٌ عَنْهُ فَكَانَ هَذَا طَلَبًا مُؤَكَّدًا.
وَلِهَذَا يَكْثُرُ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِيهِ الدَّاعِي وَهَذَا حَسَنٌ فِي الْكَلَامِ أَمَّا إذَا اسْتَعْمَلَ صِيغَةَ الْخَبَرِ فِي الْأَمْرِ الْمَحْضِ فَالْأَمْرُ فِيهِ الطَّلَبُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْعِلْمِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْخَبَرِ فَإِذَا لَمْ يُفِدْ إلَّا مَعْنَى الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ سَلَبَ مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ وَنَقَصَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَعْنَاهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الطَّلَبَ وَالْإِرَادَةَ هُوَ تَصَوُّرُ الْمَطْلُوبُ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمُ بِوُقُوعِهِ أَوْ عَدَمِ وُقُوعِهِ فَإِذَا اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ وُقُوعِ الْمَطْلُوبِ أَوْ عَدَمِ وُقُوعِهِ كَانَ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى اللَّفْظِ وَلَا مِنْ لَوَازِمِهِ وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ صِيغَةِ الْأَمْرِ فِي الْخَبَرِ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدٌ وَالْقِيَاسُ يَأْبَاهُ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلَّفْظِ فِي شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ مَعْنَاهُ وَلَا مِنْ مَلْزُومَاتِهِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْخَبَرَ بَلْ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَمَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَاَللَّهُ مَسْئُولٌ مَدْعُوٌّ بِأَنْ يَمُدَّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدًّا وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِطَلَبِ نَفْسِهِ وَدُعَاءِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الدُّعَاءِ الَّذِي يَدْعُو بِهِ وَهُوَ صَلَاتُهُ وَلَعْنَتُهُ كَمَا قَالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٦] وَقَوْلُهُ {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب: ٤٣] فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَتَضَمَّنُ ثَنَاءَهُ وَدُعَاءَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّ طَلَبَ الطَّالِبِ مِنْ نَفْسِهِ أَمْرٌ مُمْكِنٌ فِي حَقِّ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ كَأَمْرِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَ {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: ٥٣] وَقَدْ يُقَالُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة: ١٢٧] وَهَذَا الْقَوْلُ قَدْ أَوْرَدَهُ الرَّازِيّ سُؤَالًا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ الْكَلَامُ كَمَا تَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي ذَلِكَ
وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الطَّلَبِ كَحَقِيقَةِ حُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute