للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذِّهْنِ بِنِسْبَةِ أَمْرٍ إلَى أَمْرٍ وَتِلْكَ الْمُغَايِرَةُ مَعْلُومَةٌ بِالضَّرُورَةِ وَلِهَذَا يَتَطَرَّقُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَنَحْنُ إنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِتَوْكِيدِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَعْنَى الْخَبَرِ هُوَ الْعِلْمُ وَبِأَنَّهُ مِنْ الِاعْتِقَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا قَالَهُ طَوَائِفُ بَلْ أَكْثَرُ النَّاسِ بَلْ عَامَّةُ النَّاسِ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَلَا نَجِدُ النَّاسَ فِي نُفُوسِهِمْ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ يَكُونُ مَعْنَى الْخَبَرِ.

وَكَوْنُ مَعْنَى الْخَبَرِ هُوَ الْعِلْمُ أَوْ نَوْعٌ مِنْهُ أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِ الطَّلَبِ هُوَ الْإِرَادَةُ أَوْ نَوْعُهَا مِنْهَا لِأَنَّهُ هُنَاكَ أَمْكَنَهُمْ دَعْوَى الْفَرْقِ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَ بِمَأْمُورَاتٍ وَهُوَ لَمْ يُرِدْ وُجُودهَا كَمَا أَمَرَ بِهِ مَنْ لَمْ يُطِعْهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ وَإِنَّمَا تَنَازَعَ فِيهِ الْقَدَرِيَّةُ. ثُمَّ كَوْنُ الْأَمْرِ مُسْتَلْزِمًا لِإِرَادَةٍ لَيْسَتْ هِيَ إرَادَةَ الْوُقُوعِ كَلَامٌ آخَرُ وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا إنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ أَوْ بِمَا يَعْلَمُ ضِدَّهُ بَلْ عِلْمُهُ مِنْ لَوَازِمِ خَبَرِهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مَعْنَى الْخَبَرِ أَوْ لَازِمًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَلِهَذَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا جَاءَهُ جَاءَهُ الْعِلْمُ فَقَالَ {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [آل عمران: ٦١] وَقَالَ: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة: ١٢٠] وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي تَكْفِيرِ مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَقَالُوا قَوْلُهُمْ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقًا لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا الَّذِي جَاءَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَلَمْ يَعْنِ عِلْمَ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنَى أَنَّهُ مِنْ عِلْمِهِ.

وَمَنْ جَعَلَ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقًا قَائِمًا بِغَيْرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَا رَيْبَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَخَبَرِهِ يَتَضَمَّنُ عِلْمَهُ سُبْحَانَهُ كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّ أَمْرَهُ فِيهِ الطَّلَبُ الَّذِي وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ غَيْرُ الْإِرَادَةِ أَوْ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِنَوْعٍ مِنْ الْإِرَادَةِ أَوْ هُوَ نَوْعٌ مِنْهَا أَوْ هُوَ الْإِرَادَةُ وَهَذَا لَيْسَ الْعِلْمَ وَأَمَّا الْخَبَرُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِعِلْمِ اللَّهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَازَعَ فِي كَوْنِ مَعْنَى خَبَرِ اللَّهِ يُوجَدُ بِدُونِ عِلْمِهِ فَظَهَرَ الْأَمْرُ فِي هَذَا الْبَابِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى ذَلِكَ إلَّا مَا ادَّعَاهُ مِنْ إمْكَانِ وُجُودِ مَعْنَى خَبَرٍ بِدُونِ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ وَالظَّنِّ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ وَهُوَ الْخَبَرُ الْكَاذِبُ فَقَدَّرُوا أَنَّ الْإِنْسَانَ يُخْبِرُ بِخَبَرٍ هُوَ فِيهِ كَاذِبٌ وَذَلِكَ يَكُونُ مَعَ عِلْمِهِ بِخِلَافِ الْمُخْبَرِ كَمَا قَدَّرُوا أَنْ يَأْمُرَ آمِرٌ امْتِحَانًا بِمَا لَا يُرِيدُهُ ثُمَّ ادَّعَوْا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَهُ حُكْمٌ ذِهْنِيٌّ فِي النَّفْسِ غَيْرُ الْعِلْمِ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ لَهُ طَلَبٌ نَفْسَانِيٌّ فِي النَّفْسِ غَيْرُ الْإِرَادَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>