للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذِهِ الْحُجَّةُ قَدْ نُوزِعُوا فِي صِحَّتِهَا نِزَاعًا عَظِيمًا لَيْسَتْ هِيَ مِثْلَ مَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ مِنْ وُجُودِ آمِرٍ لَمْ يُرِدْ وُقُوعَ مَأْمُورِهِ.

الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ: إنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي مَعْنَى الْخَبَرِ وَإِنَّهُ غَيْرُ الْعِلْمِ قَدْ أَقَرُّوا هُمْ أَيْضًا بِفَسَادِهَا فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُ الرَّازِيّ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا شَبِيهُ مَعْنَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، بِالْإِرَادَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَمَعْنَى الْخَبَرِ بِالْعِلْمِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِمَا ثَبَتَ فِي خَلْقِ الْأَفْعَالِ وَإِرَادَةِ الْكَائِنَاتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُ وَيَنْهَى عَمَّا يُرِيدُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى افْعَلْ وَلَا تَفْعَلْ فِي حَقِّ اللَّهِ شَيْئًا سِوَى الْإِرَادَةِ وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِأَنَّهُ فِي الشَّاهِدِ قَدْ يَحْكُمُ الْإِنْسَانُ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَعْتَقِدُهُ وَلَا يَظُنُّهُ فَإِذَنْ الْحُكْمِ الذِّهْنِيِّ فِي الشَّاهِدِ مُغَايِرٌ لِهَذِهِ الْأُمُورِ.

وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الشَّاهِدِ ثَبَتَ فِي الْغَائِبِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَاهِيَّةَ الْخَبَرِ لَا تَخْتَلِفُ فِي الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي مَحْصُولِهِ أَيْضًا حَيْثُ جَعَلَ مَعْنَى الْخَبَرِ هُوَ الْحُكْمُ الذِّهْنِيَّ الَّذِي انْفَرَدُوا بِإِثْبَاتِهِ دُونَ سَائِرِ الْعُقَلَاءِ وَأَمَّا أَبُو الْمَعَالِي وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَذْكُرُوا دَلِيلًا عَلَى إثْبَاتِ كَلَامِ النَّفْسِ سِوَى مَا دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الطَّلَبِ الَّذِي ادَّعَوْا أَنَّهُ مُغَايِرٌ لِلْإِرَادَةِ وَذَاكَ إنْ دَلَّ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْأَمْرِ غَيْرُ الْإِرَادَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْخَبَرِ غَيْرُ الْعِلْمِ لَكِنْ اسْتَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ التَّصْدِيقِ النَّفْسَانِيِّ بِأَنَّهُ مَدْلُولُ الْمُعْجِزَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ غَيْرُ الْعِلْمِ فَيُقَالُ لَهُمْ أَنْتُمْ مُصَرِّحُونَ بِنَقِيضِ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ الذِّهْنِيِّ عَلَى خِلَافِ الْعِلْمِ وَأَنَّهُ إنْ جَازَ وُجُودُهُ فَلَيْسَ هُوَ كَلَامًا عَلَى التَّحْقِيقِ وَإِذَا انْقَسَمَ وُجُودُهُ هَذَا الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ الْمُخَالِفُ لِلْعِلْمِ أَوْ كَوْنُهُ كَلَامًا عَلَى التَّحْقِيقِ امْتَنَعَ مِنْكُمْ حِينَئِذٍ إثْبَاتُ وُجُودِهِ وَدَعْوَى أَنَّهُ هُوَ الْكَلَامُ عَلَى التَّحْقِيقِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَى وُجُوبِ الصِّدْقِ لِلَّهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ النَّفْسَانِيَّ يَمْتَنِعُ فِيهِ الْكَذِبُ لِوُجُوبِ الْعِلْمِ لِلَّهِ وَامْتِنَاعُ الْجَهْلِ وَهَذَا الدَّلِيلُ قَدْ ذَكَرَهُ جَمْعُ أَئِمَّتِهِمْ حَتَّى الرَّازِيّ ذَكَرَهُ لَكِنْ قَالَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ لَا عَلَى صِدْقِ الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَتَّصِفَ الْحَيُّ بِحُكْمٍ نَفْسَانِيٍّ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَعْتَقِدُهُ وَلَا يَظُنُّهُ بَلْ يُعْلَمُ خِلَافُهُ امْتَنَعَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ الْحُكْمُ النَّفْسَانِيُّ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ أَوْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِ الْعِلْمِ فَيَكُونُ كَذِبًا.

وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ تَنَاقُضٌ فِي عَيْنِ الشَّيْءِ لَيْسَ تَنَاقُضًا مِنْ جِهَةِ اللُّزُومِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>