للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَثْبَتُوا أَنَّ مَعْنَى الْخَبَرِ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ أَثْبَتُوا حُكْمًا نَفْسَانِيَّا يُنَافِي الْعِلْمَ فَيَكُونُ كَذِبًا وَيَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَلَمَّا أَثْبَتُوا الصِّدْقَ قَالُوا إنَّ مَعْنَى الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ النَّفْسَانِيُّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِدُونِ الْعِلْمِ أَوْ خِلَافِهِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا

قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيُّ شَيْخُ الشِّهْرِسْتَانِيّ وَتِلْمِيذُ أَبِي الْمَعَالِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَصْلٌ كَلَامُ اللَّهِ صِدْقٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَذِبُ نَقْصٌ قَالَ وَمِمَّا تَمَسَّكَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُمَا أَنْ قَالُوا الْكَلَامُ الْقَدِيمُ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَوْ كَانَ كَذِبًا لَنَافَى الْعِلْمَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَالِمَ بِالشَّيْءِ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ إخْبَارٌ عَنْ الْمَعْلُومِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَعْلُومٌ لَهُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْكَلَامِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ شَاهِدٌ أَوْ هُوَ الَّذِي يُسَمَّى التَّدْبِيرَ أَوْ حَدِيثَ النَّفْسِ وَهُوَ مَا يُلَازِمُ الْعِلْمَ. قَالَ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ يُنَافِي الْكَذِبَ لَمْ يَصِحَّ مِنْ الْوَاحِدِ مِنَّا كَذِبٌ عَلَى طَرِيقِ الْجَحْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَصَوَّرٌ مَوْهُومٌ. قُلْنَا الْجَحْدُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْعَالِمِ بِالشَّيْءِ فِي الْعِبَارَةِ بِاللِّسَانِ دُونَ الْقَلْبِ وَصَاحِبُ الْجَحْدِ وَإِنْ جَحَدَهُ بِاللِّسَانِ هُوَ مُعْتَرِفٌ بِالْقَلْبِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْجَحْدُ بِالْقَلْبِ.

فَإِنْ قَالُوا لَا يَمْتَنِعُ تَصَوُّرُ الْجَحْدِ بِالْقَلْبِ وَتَصَوُّرُ الْعِلْمِ فِي النَّفْسِ جَمِيعًا قُلْنَا إنْ قُدِّرَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَتَصَوَّرُونَهُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَلَامًا عَلَى التَّحْقِيقِ وَإِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرُ كَلَامٍ كَمَا أَنَّ الْعِلْمَ بِوَحْدَانِيِّتِهِ قَدْ يُقَدَّرُ فِي نَفْسِهِ مَذْهَبُ الثَّنَوِيَّةِ ثُمَّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِعِلْمِهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ اعْتِقَادًا حَقِيقِيًّا لَنَافَاهُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعِلْمَ يَدُلُّ عَلَى الْخَبَرِ الصِّدْقِ فَإِذَا تَعَلَّقَ الْخَبَرُ بِالْمُخْبِرِ عَلَى وَجْهِ الصِّدْقِ فَتَقْدِيرُ خَبَرٍ خَلَفٍ مُسْتَحِيلٍ مَعَ الْخَبَرِ الْقَدِيمِ إذْ لَا يَتَجَدَّدُ الْكَلَامُ قَالَ فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ أَمْرًا مِنْ وَجْهٍ نَهْيًا مِنْ وَجْهٍ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا مِنْ وَجْهٍ كَذِبًا مِنْ وَجْهٍ. قُلْنَا الْأَمْرُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ النَّهْيُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ وَالْآمِرُ بِالشَّيْءِ نَاهٍ عَنْ ضِدِّهِ وَلَا تَنَاقُضَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلصِّدْقِ كَذِبًا بِوَجْهٍ وَتَعَلُّقُ الْخَبَرِ بِالْمُخْبِرِ بِمَثَابَةِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومِ وَإِذَا تَعَلَّقَ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الشَّيْءِ فَلَا يَكُونُ عِلْمًا بِعَدَمِهِ فِي حَالِ وُجُودِهِ.

وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي إرْشَادِهِ الْمَشْهُورُ الَّذِي هُوَ زَبُورُ الْمُسْتَأْخِرِينَ مِنْ أَتْبَاعِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>